للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو حنيفة، والثَّوْرِىُّ، والأوْزَاعِيُّ: لا يُصَلِّى حتَّى يَقْدِرَ، ثُمَّ يَقْضِى؛ لأنَّها عِبَادَةٌ لا تُسْقِطُ القضاءَ، فلم تكنْ وَاجِبَةً، كصِيَامِ (١٦) الحائِضِ. وقال مالِك: لا يُصَلِّى ولا يَقْضِى؛ لأنَّه عَجَزَ عن الطَّهَارَةِ، فلم تَجِبْ عليه الصَّلاةُ، كالحائِضِ. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذه رِوَايةٌ مُنْكرَةٌ عن مالك. وذَكَرَ عن أَصْحابِه قَوْلَيْنِ: أحدُهما كقَوْلِ أبى حنيفة، والثاني يُصَلِّى على (١٧) حَسَبِ حالِه، ويُعِيدُ. ولَنا، ما رَوَى مُسْلِمٌ، في "صَحِيحِه" (١٨)، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعَثَ أُنَاسًا لِطَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْها عائِشَةُ، فحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فصَلُّوا بِغيرِ وُضُوءٍ، فأتَوُا النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذَكَرُوا ذلك له، فنَزَلَتْ آيةُ التَّيَمُّمِ. ولَمْ يُنْكِر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، وَلَا أَمَرَهُم، بإعادةٍ (١٩). فدَلَّ عَلَى أَنَّها غيرُ واجِبَةٍ، ولأنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ، فلم تُؤَخَّر الصَّلاةُ عِنْدَ عَدَمِها، كالسُّتْرَةِ واسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ. وإذا ثَبَتَ هذا، فإذا صَلَّى على حَسَبِ حالِه، ثم وَجَدَ الماءَ أو التُّرَابَ، لم يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْن، والأُخْرَى عليه الإِعادَةُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه فَقَدَ شَرْطَ الصَّلَاةِ، أشْبَهَ ما لو صَلَّى بالنَّجَاسَةِ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِن الخَبَرِ، ولأنَّه أَتَى بما أُمِرَ، فخَرَجَ عن عُهْدَتِه، ولأنَّه شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ فيَسْقُطُ عند العَجْزِ عنه، كسَائِرِ شُرُوطِها وأرْكانِها، ولأنَّه أَدَّى فَرْضَه على حَسَبِه، فلم يَلْزَمْهُ الإِعادَةُ، كالعاجِزِ عن السُّتْرَةِ إذا صَلَّى عُرْيانًا،


(١٦) في الأصل: "كطهارة".
(١٧) سقط من: م.
(١٨) في: باب التيمم، من كتاب الحيض. صحيح مسلم ١/ ٢٧٩. وأخرجه أيضًا البخاري، في: باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا، من كتاب التيمم، وفى: باب فضل عائشة، رضى اللَّه عنها، من كتاب فضائل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفى: باب تفسير سورة النساء، من كتاب التفسير، وفى: باب استعارة، الثياب للعروس وغيرها، من كتاب النكاح، وفى: باب استعارة القلائد، من كتاب اللباس. صحيح البخاري ١/ ٩٢، ٥/ ٣٧، ٦/ ٥٧، ٧/ ٢٩، ٢٠٤. وأبو داود، في: باب التيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٧٦. والنسائي، في: باب فيمن لم يجد الماء ولا الصيد، من كتاب الطهارة. المجتبى ١/ ١٤٠. وابن ماجه، في: باب ما جاء في السبب، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٨٨. والدارمى، في: باب التيمم مرة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي. والإمام أحمد، في: المسند ٦/ ٥٧.
(١٩) في م: "بالإعادة".

<<  <  ج: ص:  >  >>