للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَطْعِ ما انْكَسَرَ ولم يَبِنْ؛ لأنَّه قد تَلِفَ، فهو بِمَنْزِلَةِ الظُّفْرِ المُنْكَسِرِ. ولا بَأْسَ بِالانتِفَاعِ بما انْكَسَرَ من الأغْصَانِ، وانْقَلَعَ من الشَّجَرِ بغيرِ فِعْلِ آدَمِىٍّ، ولا ما سَقَطَ من الوَرَقِ. نَصَّ عليه أحمدُ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لأنَّ الخَبَرَ إنَّما وَرَدَ فى القَطْعِ، وهذا لم يُقْطَعْ. فأمَّا إن قَطَعَهُ آدمِىٌّ، فقال أحمدُ: لم أسْمَعْ، إذا قُطِعَ يُنْتَفَعُ به. وقال فى الدَّوْحَةِ تُقْلَعُ: مَن شَبَّهَهُ بِالصَّيْدِ، لم يَنْتَفِعْ بِحَطَبِها. وذلك لأنَّه مَمْنُوعٌ من إتْلَافِه؛ لِحُرْمَةِ الحَرَمِ، فإذا قَطَعَهُ مَن يَحْرُم عليه قَطْعُه، لم يُنْتَفَعْ به، كَالصَّيْدِ يَذْبَحُهُ المُحْرِمُ. ويَحْتَمِلُ أن يُبَاحَ لغيرِ القَاطِعِ الانْتِفَاعُ به؛ لأنَّه انْقَطَعَ بغيرِ فِعْلِه، فأُبِيحَ له الانْتِفَاعُ به، كما لو قَطَعَه حَيَوَانٌ بَهِيمِىٌّ، ويُفَارِقُ الصَّيْدَ الذى ذَبَحَهُ، لأنَّ الذَّكَاةَ تُعْتَبَرُ لها الأَهْلِيَّةُ، ولهذا لا يَحْصُلُ بِفِعْلِ بَهِيمَةٍ، بِخِلافِ هذا.

فصل: وليس له أخْذُ وَرَقِ الشَّجَرِ. وقال الشَّافِعِىُّ: له أخْذُهُ؛ لأنَّه لا يَضُرُّ به. وكان عَطَاءٌ يُرَخِّصُ فى أَخْذِ وَرَقِ السَّنَى (٦)، يُسْتَمْشَى به، ولا يُنْزَعُ من أصْلِهِ. وَرَخَّصَ فيه عَمْرُو بنُ دِينَارٍ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٧). ولأنَّ ما حُرِّمَ أخْذُه حُرِّمَ كُلُّ شىءٍ منه، كرِيشِ الطَّائِرِ. وقَوْلُهُم: لا يَضُرُّ به. لا يَصِحُّ فإنَّه يُضْعِفُها، وَرُبَّما آل إلى تَلَفِهَا.

فصل: ويَحْرُمُ قَطْعُ حَشِيشِ الحَرَمِ، إلَّا ما اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ من الإذْخِرِ، وما أَنْبَتَهُ الآدَمِيُّونَ، واليَابِسَ؛ لِقَولِه عليه السَّلَامُ: "لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا". وفى لَفْظٍ: "لَا يُحْتَشُّ حَشِيشُهَا". وفى اسْتِثْنَاءِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإِذْخِرَ دَلِيلٌ على تَحْرِيمِ ما عدَاهُ، وفى جَوَازِ رَعْيهِ وَجْهَانِ؛ أحدُهما، لا يجوزُ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛


(٦) السنى: نبت مسهل للصفراء والسوداء والبلغم.
(٧) فى: باب تحريم مكة وصيدها. . .، من كتاب الحجّ. صحيح مسلم ٢/ ٩٨٩.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>