للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسِرَايَةِ القَوَدِ، وفارَقَ مَن حَلَّ زِقًّا فانْدَفَقَ؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بِحَلِّه، ولأنَّ الغالِبَ خُرُوجُ المائِعِ من الزِّقِّ المَفْتُوحِ، وليس الغالِبُ سِرَايةَ هذا الفِعْلِ المُعْتَادِ إلى تَلَفِ مالِ غيرِه. وإن كان ذلك (٤٩) بِتَفْرِيطٍ منه، بأن أَجَّجَ نَارًا تَسْرِى في العادَةِ لِكَثْرَتِها، أو في رِيحٍ شَدِيدَةٍ تَحْمِلُها، أو فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى، أو فَتَحَ الماءَ في أرْضِ غيرِه، أو أَوْقَدَ في دارِ غيرِه، ضَمِنَ ما تَلِفَ به. وإن سَرَى إلى غير الدَّارِ التي أوْقَدَ فيها، والأَرْضِ التي فَتَحَ (٥٠) الماءَ فيها؛ لأنَّها سِرَايةُ عُدْوَانٍ، أَشْبَهَتْ سِرَايَةَ الجُرْحِ الذي تَعَدَّى به. وإن أَوْقَدَ نارًا فأَيْبَسَتْ أغْصَانَ شَجَرَةِ غيرِه، ضَمِنَها؛ لأنَّ ذلك لا يكونُ إلَّا من نارٍ كَثِيرَةٍ، إلَّا أن تكونَ الأَغْصَانُ في هَوَائِه، فلا يَضْمَنُها؛ لأنَّ دُخُولَها عليه غيرُ مُسْتَحقٍّ، فلا يُمْنَعُ من التَّصَرُّفِ في دَارِه؛ لِحُرْمَتِها. وهذا الفصلُ مذهبُ الشّافِعِيِّ فيه (٥٠) كما ذَكَرْنا سواءٌ.

فصل: وإن أَلْقَتِ الرِّيحُ إلى دَارِه ثَوْبَ غيرِه، لَزِمَهُ حِفْظُه؛ لأنَّه أمَانَةٌ حَصَلَتْ تحتَ يَدِه، فلَزِمَهُ حِفْظُه، كاللُّقَطَةِ. وإن لم يَعْرِفْ صَاحِبَهُ، فهو لُقَطَةٌ تَثْبُتُ فيه أحْكَامُها. وإن عَرَفَ صَاحِبَهُ، لَزِمَهُ إِعْلَامُه، فإن لم يَفْعَلْ ضَمِنَهُ؛ لأنَّه أَمْسَكَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذْنِه من غيرِ تَعْرِيفٍ، فصارَ كالغاصِبِ. وإن سَقَطَ طَائِرٌ في دَارِه، لم يَلْزَمْهُ حِفْظُه، ولا إِعْلَامُ صاحِبِه؛ لأنَّه مَحْفُوظٌ بِنَفْسِه. وإن دَخَلَ بُرْجَهُ، فأَغْلَقَ عليه البابَ ناوِيًا إِمْسَاكَه لِنَفْسِه، ضَمِنَهُ؛ لأنَّه أمْسَكَ مالَ غيرِه لِنَفْسِه، فهو كالغاصِبِ، وإلَّا فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّه يَتَصَرَّفُ في بُرْجِه كيف شاءَ، فلا يَضْمَنُ مالَ غيرِه بِتَلَفِه ضِمْنًا، لِتَصَرُّفِه الذي لم يَتَعَدَّ فيه.

فصل: إذا أكَلَتْ بَهِيمَةٌ حَشِيشَ قَوْمٍ، ويَدُ صَاحِبِها عليها، لِكَوْنِه معها، ضَمِنَ، وإن لم يَكُنْ معها، لم يَضْمَنْ ما أكَلَتْهُ. وإذا اسْتَعارَ من رَجُلٍ بَهِيمَتَه، فأتْلَفَتْ


(٤٩) سقط من: ب.
(٥٠) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>