للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجُوزَجَانِيُّ في "كِتابِه". ولأنَّ الشَّفِيعَ إنَّما اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بالبَيْعِ، فكان مُسْتَحِقًّا له بالثَّمَنِ، كالمُشْتَرِى. فإن قيل: إن الشَّفِيعَ اسْتَحَقَّ أخْذَه بغيرِ رِضَى مالِكِه، فيَنْبَغِى أن يَأْخُذَه بقِيمَتِه، كالمُضْطَرِّ يَأْخُذُ طَعامَ غيرِه. قُلْنا: المُضْطَرُّ اسْتَحَقَّ أخْذَه بِسَبَبِ حاجَةٍ خاصَّةٍ، فكان المَرْجِعُ في بَدَلِه إلى قِيمَتِه، والشَّفِيعُ اسْتَحَقَّه لأَجْلِ البَيْعِ، ولهذا لو انْتَقَلَ بهِبَةٍ أو مِيراثٍ لم يَسْتَحِقَّ الشُّفْعةَ، وإذا اسْتَحَقَّ ذلك بالبَيْعِ، وَجَبَ أن يكونَ بالعِوَضِ الثابِتِ بالبَيْعِ. إذا ثبت هذا، فإنَّا نَنْظُرُ في الثَّمنِ، فإن كان دَنَانِيرَ أو دَرَاهِمَ، أعْطاهُ الشَّفِيعُ مثلَه، وإن كان ممَّا لا مِثْلَ له كالثِّيابِ (٣) والحَيَوانِ، فإنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الشِّقْصَ بقِيمَةِ الثَّمَنِ. وهذا قول أكْثَر أهْلِ العِلْمِ. وبه يقول أصْحابُ الرَّأْى، والشّافِعِىُّ. وحُكِى عن الحَسَنِ، وسَوَّارٍ، أنَّ الشُّفْعةَ لا تَجِبُ ههُنا؛ لأنَّها تَجبُ بمِثْلِ الثمَنِ، وهذا لا مِثْلَ له، فتَعَذَّرَ الأَخْذُ، فلم يَجِبْ، كما لو جُهِلَ الثَّمَنُ. ولَنا، أنَّه أحدُ نَوْعَىِ الثَّمنِ، فجازَ أن تَثْبُتَ به الشُّفْعةُ في المَبِيعِ، كالمِثْلِىِّ، وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المِثْلَ يكونُ من طَرِيقِ الصُّورةِ، ومن طَرِيقِ القِيمَةِ. كبَدَلِ المُتْلَفِ، فأمَّا إن كان الثمنُ من المِثْلِيَّاتِ غيرِ الأثْمانِ، كالحُبُوبِ والأدْهانِ، فقال أصْحابُنا: يَأْخُذُه الشَّفِيعُ بمِثْلِه؛ لأنَّه من ذَواتِ الأمْثَالِ، فهو كالأثْمانِ. وبه يقول أصْحابُ الرَّأْى، وأصْحابُ الشّافِعِىِّ؛ ولأنَّ هذا مِثْلٌ من طَرِيقِ الصُّورَةِ والقِيمَةِ، فكان أوْلَى من المُمَاثلِ في إحْداهما، ولأنَّ الواجِبَ بَدَلُ الثَّمنِ، فكان مِثْلَه، كبَدَلِ القَرْضِ (٤) والمُتْلَفِ.

فصل: ويَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بالثَّمنِ الذي اسْتَقَرَّ عليه العَقْدُ، فلو تَبايَعا بِقَدْرٍ، ثم غَيَّراهُ في زَمَنِ الخِيَارِ بزِيَادةٍ أو نَقْصٍ، ثَبَتَ ذلك التَّغْيِيرُ في حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لأنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إنَّما يَثْبُتُ إذا تَمَّ العَقْدُ، وإنَّما يُسْتَحَقُّ بالثَّمنِ الذي هو ثابِتٌ حالَ اسْتِحْقاقِه،


(٣) في ب: "كالنبات".
(٤) فى ب: "العوض".

<<  <  ج: ص:  >  >>