للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: الثالث، أن لا يَتَعَلَّقَ بها رَغْبَةٌ لغيرِ الوَلَدِ، فإن تَعَلَّقَتْ بها رَغْبَةٌ لغيرِه، مثل أن يَهَبَ وَلَدَه شيئا فيَرْغَبَ الناسُ في مُعَامَلَتِه، وأدَانُوه دُيُونًا، أو رَغِبُوا في مُنَاكَحَتِه، فزَوَّجُوه إن كان ذَكَرًا، أو تَزَوَّجَتِ الأُنْثَى لذلك، فعن أحمدَ رِوَايَتانِ؛ أُولاهما، ليس له الرُّجُوعُ. قال أحمدُ، في رِوَايةِ أبى الحارِثِ، في الرَّجُلِ يَهَبُ لِابْنِه مالًا: فله الرُّجُوعُ، إلَّا أن يكونَ غَرَّ به قَوْمًا، فإن غَرَّ به، فليس له أن يَرْجِعَ فيها. وهذا مذهبُ مالِكٍ؛ لأنَّه تَعَلَّقَ به حَقُّ غيرِ الابْنِ، ففى الرُّجُوعِ إبْطَالُ حَقِّه، وقد قال عليه السلامُ: "لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ" (٣٨). وفي الرُّجُوعِ ضَرَرٌ، ولأنَّ في هذا تَحَيُّلًا على إلْحاقِ الضَّرَرِ بالمُسْلِمينَ، ولا يجوزُ التَّحَيُّلُ على ذلك. والثانية، له الرُّجُوعُ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّ حَقَّ المُتَزَوِّجِ والغَرِيمِ لم يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ هذا المالِ، فلم يَمْنَع الرُّجُوعَ فيه.

فصل: الرابع، أن لا تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، كالسِّمَنِ والكِبَرِ وتَعَلُّمِ صَنْعةٍ. فإن زادَتْ، فعن أحمدَ رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، لا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وهو مذهبُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّها زِيَادَةٌ في المَوْهُوبِ، فلم تَمْنَع الرُّجُوعَ، كالزِّيَادَةِ قبلَ القَبْضِ، والمُنْفَصِلَةِ. والثانية، تَمْنَعُ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ الزِّيادَةَ لِلْمَوْهُوبِ له لِكَوْنها نَمَاءَ مِلْكِه، ولم تَنْتَقِلْ إليه من جِهَةِ أبِيه، فلم يَمْلِك الرُّجُوعَ فيها، كالمُنْفَصِلَةِ، وإذا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فيها، امْتَنَعَ الرُّجُوعُ في الأصْلِ، لئلَّا يُفْضِىَ (٣٩) إلى سُوءِ المُشَارَكةِ، وضَرَرِ التَّشْقِيصِ، ولأنَّه (٤٠) اسْتِرْجاعٌ للمالِ بِفَسْخِ عَقْدٍ. لغيرِ عَيْبٍ في عِوَضِه، فمَنْعُه الزِّيَادَةَ المُتَّصِلَةَ، كاسْتِرْجاعِ الصَّدَاقِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ، أو نِصْفِه بالطَّلَاقِ، أو رُجُوعِ البائِعِ في المَبِيعِ لِفَلَسِ المُشْتَرِى. ويُفَارِقُ الرَّدَّ بالعَيْبِ من جِهَةِ أنَّ الرَّدَّ من المُشْتَرِى، وقد رَضِىَ بِبَدَلِ الزِّيادَةِ. وإن فرضَ الكَلَام فيما إذا باعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ،


(٣٨) تقدم تخريجه في: ٤/ ١٤٠.
(٣٩) في م: "يقتضى".
(٤٠) في الأصل زيادة: "فسخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>