للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَخْبَرَ بِبُطْلانِه. وإذا لم يَعْلَمِ المُشْتَرِى كَوْنَه مُكاتَبًا، ثم عَلِمَ ذلك، فله فَسْخُ البَيْعِ، أو أخْذُ الأرْشِ؛ لأنَّ الكتَابةَ عَيْبٌ، لكَوْنِ المُشْتَرِى لا يقْدِرُ على التَّصَرُّفِ فيه، ولا يَسْتَحِقُّ كَسْبَه، ولا اسْتِخْدامَه، ولا الوَطْءَ إِنْ كانتْ أمَةً، وقد انْعَقَدَ سبَبُ زَوالِ المِلْكِ فيه، فيَمْلِكُ الفَسْخَ بذلك، كمُشْتَرِى الأَمَةِ المُزَوَّجَةِ أو المَعِيبَةِ، فيتخَيَّرُ حِينَئِذٍ بينَ فَسْخِ البَيْعِ والرُّجوعِ بالثَّمَنِ، وبينَ إمْساكِه وأخْذِ الأرْشِ، وهو قِسْطُ ما بينَه مُكاتبًا وبينَه رَقِيقًا قِنًّا (٧)، فيُقالُ: كم قِيمَتُه [مُكاتَبًا، وكم قِيمَتُه] (٨) لو كان غيرَ مُكاتَبٍ؟ فإذا قيلَ: قِيمتُه مُكاتَبًا مائةٌ، وقيمَتُه غيرَ مُكاتَبٍ مِائةٌ وخمسون. والثَّمَنُ مِائةٌ وعشرون، فقد نَقَصَتْه الكتابةُ ثُلثَ قِيمَتِه، فيَرْجِعُ بثُلثِ ثَمَنِه، وهو أربعون، ولا يَرْجِعُ بالخمسين التى نقَصتْ بالكتابَةِ من قِيمَتِه، على ما قُرِّرَ فى البَيْعِ.

فصل: فأمَّا بَيْعُ الدَّينِ الذى على المُكاتَبِ مِن نُجُومِه، فلا يصِحُّ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال عَطاءٌ، وعمرُو بنُ دينارٍ، ومالِكٌ: يَصِحُّ؛ لأنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُها فى ذِمَّةِ المُكاتَبِ، فجازَ بَيْعُها، كسائِرِ أمْوالِه. ولَنا، أنَّه دَيْنٌ غيرُ مُسْتَقِرٍّ، فلم يجُزْ بَيْعُه، [كدَيْنِ السَّلَمِ (٩)، ودليلُ عَدَمِ الاسْتِقْرارِ، أنَّه مُعَرَّضٌ للسُّقوطِ بعَجْزِ المُكاتَبِ، ولأَنَّه لا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إجْبارَ العبدِ على أدائِه، ولا إلْزامَه بتَحْصِيلِه، فلم يجُزْ بَيْعُه] (١٠)، كالعِدَةِ بالتَّبَرُّعِ، ولأنَّه غيرُ مَقْبُوضٍ، وقد نَهَى النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بَيْعِ ما لم يُقْبَضْ (١١). فإنْ باعَهُ، فالبَيْعُ باطِلٌ، وليس للمُشْتَرِى مُطالَبَةُ المُكاتَبِ بتَسْلِيمِه إليه، ولا الرُّجُوعُ بالثَّمَنِ على البائِعِ، إِنْ كان دَفَعَه إليه. فإنْ سلَّمَ المُكاتَبُ إلى المُشْتَرِى نُجومَه، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَعْتِقُ؛ لأنَّ البَيْعَ تَضَمَّنَ الإِذْنَ فى القَبْضِ، فأشْبَهَ قَبْضَ الوَكيلِ. والثانى، لا يَعْتِقُ؛ لأَنَّه لم يَسْتَنِبْه فى القَبْضِ، وإنَّما قَبَضَ لِنَفْسِه بحُكْمِ البيعِ الفاسِدِ، فكان القَبْضُ أيضًا فاسِدًا، ولم يَعْتِقْ، بخِلافِ وَكيلِه، فإنَّه


(٧) سقط من: أ.
(٨) سقط من: الأصل.
(٩) فى ب: "المسلم".
(١٠) سقط من: أ. نقل نظر.
(١١) تقدم تخريج أحاديث النهى عن بيع ما لم يقبض، فى: ٦/ ١٨٢، ١٨٣، ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>