للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٣٦ - مسألة؛ قال: (وَإذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ، خرَجَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وضَرَبَتْ خِبَاءً فِى الرَّحْبَةِ)

أمَّا خُرُوجُها من المسجدِ، فلا خِلافَ فيه؛ لأنَّ الحَيْضَ حَدَثٌ يَمْنَعُ اللُّبْثَ فى المسجدِ، فهو كالجَنَابةِ، وآكَدُ منه، وقد قال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ، ولَا جُنُبٍ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (١). وإذا ثَبَتَ هذا فإنَّ المسجدَ إنْ لم يَكُنْ له رَحْبَةٌ، رَجَعَتْ إلى بَيْتِها، فإذا طَهُرَتْ رَجَعَتْ فأتَمَّتِ اعْتِكافَها، وقَضَتْ ما فاتَها، ولا كَفَّارَةَ عليها. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه خُرُوجٌ مُعْتَادٌ وَاجِبٌ، أشْبَهَ الخُرُوجَ لِلْجمعةِ، أو لما لا بُدَّ منه. وإن كانت له رَحْبَةٌ خَارِجَةٌ من المسجدِ، يُمْكِنُ أن تَضْرِبَ فيها خِباءَها، فقال الخِرَقِىُّ: تَضْرِبُ خِباءَها فيها مُدَّةَ حَيْضِها. وهو قولُ أبى قِلابةَ. وقال النَّخَعِىُّ: تَضْرِبُ فُسْطاطَها فى دَارِها، فإذا طَهُرَتْ قَضَتْ تلك الأيَّام، وإن دخلت بَيْتًا أو سَقْفًا اسْتَأْنَفَتْ. وقال الزُّهْرِىُّ، وعَمْرُو بن دِينارٍ، ورَبِيعَةُ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ: تَرْجِعُ إلى مَنْزِلِها، فإذا طَهُرَتْ فَلْتَرْجِع؛ لأنَّه وَجَبَ عليها الخُرُوجُ من المسجدِ، فلم يَلْزَمْها الإقامَةُ فى رَحْبَتِه، كالخارِجَةِ لِعِدَّةٍ، أو خَوْفِ فِتْنَةٍ. ووَجْهُ قَوْلِ الخِرَقِىِّ ما رَوَى المِقْدَامُ بن شُرَيْحٍ، عن عائشةَ، قالتْ: كُنَّ المُعْتَكِفاتُ (٢) إذا حِضْنَ أمَرَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإخْرَاجِهِنَّ من المسجدِ، وأن يَضْرِبْنَ الأخْبِيَةَ فى رَحْبَةِ المسجدِ، حتى يَطْهُرْنَ. رَوَاهُ أبو حَفْصٍ (٣) بإسْنادِهِ. وفَارَقَ المُعْتَدَّةَ، فإنَّ خُرُوجَها لِتُقِيمَ فى بَيْتِها وتَعْتَدَّ فيه، ولا يَحْصُلُ ذلك مع الكَوْنِ فى الرَّحْبَةِ، وكذلك الخائِفَةُ من الفِتْنَةِ خُرُوجُها لِتَسْلَمَ من الفِتْنَةِ، فلا تُقِيمُ فى مَوْضِعٍ لا تَحْصُلُ السَّلامةُ بالإقامةِ فيه. والظَّاهِرُ أنَّ إقامَتَها فى


(١) تقدم تخريجه فى ١/ ٢٠٠.
(٢) فى م: "معتكفات".
(٣) لعله يعنى ابن شاهين، انظر ترجمته فى ٢/ ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>