للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقِيَاسُهم يَنْقَلِبُ عليهم، فإنَّنا نقولُ: هذه عِبادَةٌ، فلا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِها إمْكانُ أدَائِها، كسائِرِ العِبادَاتِ، فإنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ على الحائِضِ والمَرِيضِ العَاجِزِ عن أدَائِه، والصلاةُ تَجِبُ على المُغْمَى عليه والنَّائِمِ، ومن أدْرَكَ مِن (١٦) أوَّل الوَقْتِ جُزْءًا ثم جُنَّ أو حاضَتِ المَرْأَةُ، والحَجُّ يَجِبُ على من أيْسَرَ في وَقْتٍ لا يَتَمَكَّنُ من الحَجِّ فيه، أو مَنَعَهُ من المُضِيِّ مَانِعٌ. ثم الفَرْقُ بينهما، أنَّ تِلْكَ عِبادَاتٌ بَدَنِيَّةٌ، يُكَلَّفُ فِعْلَها بِبَدَنِه، فأسْقَطَها تَعَذُّرُ فِعْلِهَا، وهذه عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ، يُمْكِنُ ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ لِلْمَساكِينِ في مَالِه والوُجُوبِ في ذِمَّتِه مع عَجْزِه عن الأدَاءِ، كثُبُوتِ الدُّيُونِ في ذِمَّةِ المُفْلِسِ وتَعَلُّقِها بِمَالِه بِجِنايَتِه.

فصل: الثالث، أنَّ الزكاةَ لا تَسْقُطُ بتَلَفِ المالِ، فَرَّطَ أو لم يُفَرِّطْ. هذا المَشْهُورُ عن أحمدَ، وحَكَى عنه الْمَيْمُونِيُّ أنَّه إذا تَلِفَ النِّصابُ قبلَ التَّمَكُّنِ من الأدَاءِ، سَقَطَتِ الزكاةُ عنه، وإن تَلِفَ بعدَه، لم تَسْقُطْ. وحَكَاهُ ابنُ المُنْذِرِ مَذْهَبًا لأحمدَ رَضِيَ اللهُ عنه. وهو قولُ الشَّافِعِيِّ، والحَسَنِ بن صالِح، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وابْنِ المُنْذِرِ. وبه قال مَالِكٌ، إلَّا في الماشِيَةِ، فإنَّه قال: لا شىءَ فيها حتى يَجِىءَ المُصَدِّقُ، فإن هَلَكَتْ قبلَ مَجِيئِهِ فلا شىءَ عليه. وقال أبو حنيفةَ: تَسْقُطُ الزكاةُ بِتَلَفِ النِّصابِ علَى كل حالٍ، إلَّا أن يكونَ الإمامُ قد طَالَبَه بها فمَنَعَها؛ لأنَّه تَلَف قبلَ مَحَلِّ الاسْتِحْقاقِ، فسَقَطَتِ الزكاةُ، كما لو تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ قبلَ الجَذَاذِ، ولأنَّه حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ، فسَقَطَ بتَلَفِها، كأَرْشِ الجِنَايَةِ في العَبْدِ الجانِي. ومن اشْتَرَطَ التَّمَكُّنَ، قال: هذه عِبَادَةٌ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُها بالمالِ، فيسْقُطُ (١٧) فَرْضُها بِتَلَفِه قبلَ إمْكانِ أدَائِها، كالحَجِّ. ومن نَصَرَ الأوَّلَ قال: مَالٌ وَجَبَ في الذِّمَّةِ، فلم يَسْقُطْ بِتَلَفِ النِّصابِ، كالدَّيْنِ، فلم (١٨) يُشْتَرَطْ في ضَمَانِه إمْكانُ الأدَاءِ، كثَمَنِ


(١٦) في أ، ب، م: "في".
(١٧) في أ، م: "فسقط".
(١٨) في أ، م: "أو لم".

<<  <  ج: ص:  >  >>