للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأوزاعِىُّ، والثَّورِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفة: لا أقْبَلُ بَيِّنَةً على زِنًى قديمٍ، وأحُدُّه بالإِقْرارِ به. وهذا قولُ ابنِ حامِدٍ. وذكرَه ابنُ أبي موسى مذهبًا لأحمدَ؛ لما رُوِىَ عن عمرَ، أنَّه قال: أيُّما شُهودٍ شَهِدُوا بحَدٍّ لم يَشْهدُوا بِحَضْرَتِه، فإنَّما هم شهودٌ ضِغْنٍ. ولأنَّ تأخيرَه للشهادةِ إلى هذا الوقتِ، يَدُلُّ على التُّهْمَةِ، فيَدْرَأُ ذلك الحَدَّ. ولَنا، عمومُ الآية، وأنَّه حَقٌّ يثْبُتُ على الفَوْرِ، فيَثْبُتُ بالبَيِّنَةِ بعدَ تَطاوُلِ الزَّمانِ، كسائرِ الحُقوقِ. والحديثُ روَاه الحَسَنُ مُرْسَلًا، ومَراسِيلُ الحسنِ ليستْ بالقَويَّةِ، والتأْخِيرُ يجوزُ أن يكونَ لعُذْرٍ أو غَيْبَةٍ، والحَدُّ لا يسْقُطُ بمُطْلَقِ الاحْتمالِ، فإنَّه لو سَقَطَ بكُلِّ احْتمالٍ، لم يجِبْ حَدٌّ أصْلًا.

فصل: وتجوزُ الشَّهادةُ بالحَدِّ من غيرِ مُدَّعٍ. لا نعلمُ فيه خِلافًا (٣٩)، ونَصَّ عليه أحمدُ، واحْتَجَّ بقضيَّةِ أبى بَكْرةَ، حين شَهِدَ هو وأصحابُه على المُغِيرَةِ من غيرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى (٤٠)، وشَهِدَ الجارودُ وصاحبُه على قُدامةَ بنِ مَظْعُونٍ بشُرْبِ الخمرِ، ولم يتقدَّمْه دَعْوَى (٤١). ولأنَّ الحَدَّ حقٌّ للهِ تعالى، فلم تَفْتَقِرِ الشَّهادةُ به إلى تقَدُّمِ دَعْوَى، كالعباداتِ، يُبَيِّنُه أنَّ الدَّعْوَى في سائرِ الحقوقِ إنَّما تكونُ من المُسْتَحِقِّ، وهذا لا حَقَّ فيه لأحَدٍ من الآدَمِيِّينَ فَيَدَّعِيه، فلو وقَفَتِ (٤٢) الشَّهادةُ به (٤٣) على الدَّعْوَى لَامْتَنَعَتْ إقامتُها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ مَن عندَه شهادَةٌ على حَدٍّ، فالمُسْتَحَبُّ أن لا يُقِيمَها؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُسْلِمٍ [في الدُّنْيَا] (٤٤) سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" (٤٥). وتجوز إقامتُها؛ لقولِ اللَّه تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً


(٣٩) في ب، م: "اختلافا".
(٤٠) تقدم تخريجه، في: ١١/ ١٨٤.
(٤١) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٧٦.
(٤٢) في ب، م: "وقعت".
(٤٣) سقط من: ب، م.
(٤٤) سقط من: الأصل.
(٤٥) أخرجه البخاري، في: باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، من كتاب المظالم. صحيح البخاري =

<<  <  ج: ص:  >  >>