للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَوَى مالكٌ (١٤)، [عن الزُّهْرِيِّ] (١٥)، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ، عن سَهْلةَ بنت سُهَيْلٍ: "أرْضِعِى سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فيَحْرُمُ بلَبَنِها". والآيةُ فَسَّرَتْها السُّنَّةُ، وبَيَّنتِ الرَّضاعةَ المُحَرِّمةَ، وصَرِيحُ ما رَوَيْناه يَخُصُّ مَفْهُومَ ما رَوَوْهُ، فنَجْمَعُ بين الأخْبارِ، ونَحْمِلُها على الصَّرِيحِ الذي رَوَيْناه.

فصل: وإذا وَقَعَ الشَّكُّ في وُجُودِ الرَّضاعِ، أو في عَدَدِ الرَّضاعِ المُحَرِّمِ، هل كَمَلَا أو لا؟ لم يَثْبُتِ التَّحْرِيمُ؛ لأنَّ الأصْل عَدَمُه، فلا نَزُولُ عن اليَمينِ بالشَّكِّ، كما لو شَكَّ في وُجُودِ الطَّلاقِ أو عَدَدِه (١٦).

المسألة الثانية: أن تكونَ الرَّضَعاتُ مُتَفَرِّقاتٍ. وبهذا قال الشافعيُّ. والمَرْجِعُ في مَعْرِفةِ الرَّضعةِ إلى العُرْفِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بها مُطْلَقًا، ولم يَحُدَّها بزَمَنٍ ولا مِقْدارٍ، فدَلَّ ذلك على أنَّه رَدَّهُم إلى العُرْفِ، فإذا ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ، وقَطَعَ قَطْعًا بَيِّنًا باخْتِيارِه، كان ذلك رَضْعةً، فإذا عاد، كانت رَضْعةً أُخْرَى. فأمَّا إن قَطَعَ لضِيقِ نَفَسٍ، أو للانْتِقالِ من ثَدْيٍ إلى ثَدْيٍ، أو لشيءٍ يُلْهِيه، أو قَطَعَتْ عليه المُرْضِعةُ، نَظَرْنا؛ فإن لم يَعُدْ قَرِيبًا فهى رَضْعةٌ، وإن عاد في الحالِ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، أنَّ الأُولَى رَضْعةٌ، فإذا عاد فهى رَضْعَةٌ أُخْرَى. وهذا اخْتيارُ أبي بكرٍ، وظاهرُ كلامِ أحمدَ في روايةِ حَنْبلٍ؛ فإنه قال: أما تَرَى الصَّبِيَّ يَرْتَضِعُ من الثَّدْىِ، فإذا أدْرَكه النَّفَسُ أمْسَكَ عن الثَّدْىِ ليَتَنَفَّسَ أو يَسْتَرِيحَ، فإذا فعل ذلك فهى رَضْعةٌ. وذلك لأنَّ الأُولَى رَضْعةٌ لو لم يَعُدْ، فكانت رَضْعةً وإن عاد، كما لو قَطَعَ باخْتِيارِه. والوَجْهُ الآخرُ، أنَّ جَمِيعَ ذلك رَضْعةٌ. وهو مذهبُ الشافعيِّ، إلَّا فيما إذا قَطَعَتْ عليه المُرْضِعةُ، ففيه وَجهْان؛ لأنَّه لو حَلَفَ: لا أكَلْتُ اليومَ إلَّا أكْلَةً واحدةً. فاسْتَدامَ الأكْلَ زَمَنًا، أو قطع لشُرْبِ ماءٍ (١٧) أو انْتِقالٍ


(١٤) تقدم تخريجه في: ٩/ ٤٩٢.
(١٥) في أ، م: "والزهرى".
(١٦) في الأصل، م: "وعدده".
(١٧) في ب، م: "الماء".

<<  <  ج: ص:  >  >>