للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا لِعِمالتِه. ولا يشترطُ كَوْنُه حُرًّا؛ لأنَّ العبدَ يحْصُلُ منه المَقْصُودُ كالحُرِّ، فجازَ أن يكونَ عامِلًا كالحُرِّ. ولا كونُه فَقِيهًا إذا كُتِبَ له ما يأْخُذُه، وحُدَّ له، كما كَتَبَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لعُمَّالِه فَرائِضَ الصَّدقةِ، وكما كتَبَ أبو بكرٍ لعُمَّالهِ، أو بَعَثَ معه مَن يُعَرِّفُه ذلك. ولا كَوْنُه فَقِيرًا؛ لأنَّ اللَّه تعالى جَعَلَ العاملَ صِنْفًا غيرَ الفقراءِ والمساكينِ، فلا يُشْتَرَطُ وجودُ مَعْناهُما فيه، كما لا يُشْتَرَطُ معناه فيهما، وقد رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقةُ لِغنِىٍّ، إلَّا لخَمْسةٍ؛ لِغَازٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أوْ لِرَجُلٍ ابْتاعَهَا بِمَالِهِ، أو لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ، فَأهْدَى الْمِسْكِينُ إلَى الغَنِىِّ". رَواه أبو دَاودَ (١٠). وذكر أصْحابُ الشافعىِّ أنَّه تُشْتَرَطُ الحُرِّيةُ؛ لأنَّ العِمالةَ وِلايةٌ، فنافَاها الرِّقُّ، كالقَضاءِ. ويُشْتَرَطُ الفِقْهُ؛ لِيَعْلَمَ قَدْرَ الواجِبِ وصِفَتَه. ولَنا، ما ذكَرْناه، ولا نُسَلِّمُ مُنافاةَ الرِّقِّ للوِلاياتِ الدِّيِنِيَّةِ، فإنَّه يجوزُ أن يكونَ إمامًا فى الصلاةِ، ومُفْتِيًا، ورَاوِيًا للحديثِ، وشاهِدًا، وهذه من الوِلَاياتِ الدِّينيَّةِ. وأمَّا الفِقْهُ، فإنَّما يحْتاجُ إليه لِمَعْرِفةِ ما يأْخُذُه ويَتْرُكُه، ويَحْصُلُ ذلك بالكتابةِ (١١) له، كما فعَلَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وصاحِباه، رَضِىَ اللَّهُ عنهما.

فصل: والإِمامُ مُخَيَّرٌ بين أن يَسْتَأْجِرَ العامِلَ إجَارةً صَحِيحةً، بأَجْرٍ معلومٍ، إمَّا على مُدَّةٍ معلومةٍ، وإمَّا على عملٍ معلومٍ، وبين أن يَجْعَلَ له جُعْلًا معلومًا على عَمَلِه، فإذا عَمِلَه اسْتَحَقّ المَشْرُوطَ، وإن شاء بَعَثَه من غيرِ تَسْمِيَةٍ ثم أعْطاهُ؛ فإنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، قال: بَعَثَنى النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على الصَّدَقَةِ، فلمَّا رَجَعْتُ عَمَّلَنِى، فقلتُ: أَعْطِه (١٢) أحْوَج إليه (١٣) مِنِّى. وذكر الحديثَ (١٤). فإن تَلِفَتِ الصدقةُ فى يَدِه قبلَ وُصُولِها إلى


(١٠) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١٠٣.
(١١) فى أ، م: "بالكتاب".
(١٢) فى م زيادة: "من".
(١٣) سقط من: م.
(١٤) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١٠٧، ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>