للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَدْخُلُه النِّيَابَةُ، فلم يَسْقُطْ بالمَوْتِ كالدَّيْنِ. ويُخَرَّجُ عليه الصلاةُ، فإنَّها لا تَدْخُلُها النِّيَابَةُ، والعُمْرَةُ كالحَجِّ فى القَضاءِ، فإنَّها وَاجِبَةٌ، وقد أمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا رَزِينٍ أن يَحُجَّ عن أبِيهِ ويَعْتَمِرَ (١٨)، ويكونُ ما يُحَجُّ به ويُعْتَمَرُ من جَمِيعِ مَالِه؛ لأنَّه دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ، فكان من جَمِيعِ المالِ، كدَيْنِ الآدَمِىِّ.

فصل: ويُسْتَنَابُ مَن يَحُجُّ عنه من حيثُ وَجَبَ عليه، إمَّا من بَلَدِه أو مِن المَوْضِعِ الذى أيْسَرَ (١٩) فيه. وبهذا قال الحسنُ، وإسحاقُ، ومَالِكٌ فى النَّذْرِ. وقال عَطاءٌ فى النَّاذِرِ: إن لم يَكُنْ نَوَى مَكانًا، فمِنْ مِيقَاتِه. واخْتَارَهُ ابنُ المُنْذِرِ. وقال الشَّافِعِىُّ فى مَن عليه حَجَّةُ الإسْلامِ: يُسْتَأْجَرُ مَن يَحُجُّ عنه من المِيقَاتِ؛ لأنَّ الإحْرامَ لا يَجِبُ مِن دُونِه. ولَنا، أنَّ الحَجَّ واجِبٌ على المَيِّتِ من بَلَدِه، فوَجَبَ أن يَنُوبَ عنه منه؛ لأنَّ القَضاءَ يكونُ على وَفْقِ الأداءِ، كقَضاءِ الصلاةِ والصِّيامِ، وكذلك الحُكْمُ فى حَجِّ النَّذْرِ والقَضاءِ، فإن كان له وَطَنانِ اسْتُنِيبَ من أقْرَبهما. فإن وَجَبَ عليه الحَجُّ بخُرَاسَانَ وماتَ بِبَغْدادَ، أو وَجَبَ عليه بِبَغْدَادَ فمات بخُرَاسانَ، فقال أحمدُ: يُحَجُّ عنه من حَيْثُ وَجَبَ عليه، لا مِن حَيْثُ مَوْته. ويَحْتَمِلُ أن يُحَجَّ عنه مِن أقْرَبِ المَكانَيْنِ؛ لأنَّه لو كان حَيًّا فى أقْرَبِ المَكَانَيْنِ، لم يَجِبْ عليه الحَجُّ مِن أبْعَدَ منه، فكذلك نَائِبُه. فإن أحَجَّ عنه من دون ذلك، فقال القاضى: إن كان دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ أجْزَأَهُ؛ لأنَّه فى حُكْمِ القَرِيبِ، وإن كان أبْعَدَ لم يُجْزِئْه؛ لأنَّه لم يُؤَدِّ الوَاجِبَ بِكَمَالِه. ويَحْتَمِلُ أن يُجْزِئَه ويكونُ مُسِيئًا، كمَنْ وَجَبَ عليه الإحْرامُ من المِيقاتِ، فأحْرَمَ مِن دُونِهِ.

فصل: فإن خَرجَ لِلْحَجِّ، فماتَ فى الطَّرِيقِ، حُجَّ عنه من حيثُ ماتَ؛ لأنَّه أسْقَطَ بعضَ ما وَجَبَ عليه، فلم يَجِبْ ثانِيًا. وكذلك إن ماتَ نائِبُه، اسْتُنِيبَ من


(١٨) تقدَّم تخريجه فى صفحة ١٤.
(١٩) فى م: "أحصر".

<<  <  ج: ص:  >  >>