للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُقال: إنَّه اجْتَمَعَ يَوْمَئِذٍ أعْيَادُ أهْلِ كُلِّ دِينٍ، ولم يَجْتَمِعْ قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ. فأمَّا تَسْمِيَةُ فِعْلِ الحَجِّ قَضَاءً، فإنَّه يُسَمَّى بذلك، قال اللهُ تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (١٢)، وعلى أنَّه لا يَلْزَمُ من الوُجُوبِ على الفَوْرِ تَسْمِيَةُ القَضاءِ؛ فإنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ على الفَوْرِ، ولو أخَّرَها لا تُسَمَّى قَضاءً، والقَضاءُ الوَاجِبُ على الفَوْرِ إذا أخَّرَهُ لا يُسَمَّى قَضاءَ القَضَاء، ولو غَلبَ على ظَنِّه فى الحَجِّ أنَّه لا يَعِيشُ إلى سَنَةٍ أُخْرَى، لم يَجُزْ له تَأْخِيرُه، فلو أَخَّرَهُ لا يُسَمَّى قَضاءً. إذا ثَبَتَ هذا عُدْنَا إلى شَرْحِ مَسْألَةِ الكِتَابِ، فنَقُولُ: متى تُوُفِّىَ مَنْ وَجَبَ عليه الحَجُّ ولم يَحُجَّ، وَجَبَ أن يُخْرَجَ عنه من جَمِيعِ مَالِه ما يُحَجُّ به عنه ويُعْتَمَرُ، سَوَاءٌ فَاتَه بِتَفْرِيطٍ أو بغيرِ تَفْرِيطٍ. وبهذا قال الحسنُ، وطَاوُسٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ، ومَالِكٌ: يَسْقُطُ بالمَوْتِ؛ فإنْ وَصَّى بها فهى من الثُّلُثِ. [وهذا قولُ] (١٣) الشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ؛ لأنَّه عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَتَسْقُطُ بالمَوْتِ، كالصلاةِ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، أنَّ امْرأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أَبِيهَا، مَاتَ ولم يَحُجَّ؟ قال: "حُجِّى عَنْ أبِيكِ". وعنه، أنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أن تَحُجَّ، فماتَتْ، فأتَى أخوهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسَأَلَهُ عن ذلك؟ فقال: "أرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِكَ دَيْنٌ، كُنْتَ (١٤) قَاضِيَهُ؟ " قال: نعم. قال: "فَاقْضُوا (١٥) اللهَ، فَهُوَ أحَقُّ بالقَضَاءِ" (١٦). رَوَاهُما النَّسَائِىُّ (١٧). ورَوَى هذا أبو دَاوُدَ الطَّيَالِيسىُّ، عن شُعْبَةَ، عن أبي بِشْرٍ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولأنَّه حَقٌّ اسْتَقَرَّ عليه،


(١٢) سورة الحجّ ٢٩.
(١٣) فى م: "وبهذا قال".
(١٤) فى ب، م: "أما كنت".
(١٥) فى م زيادة: "دين".
(١٦) فى المجتبى: "بالوفاء".
(١٧) الأوَّل فى: باب الحجّ عن الميت الذى لم يحج، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ٨٨. والثانى فى: باب الحجّ عن الميت الذى نذر أن يحج، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>