للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسْتَنِيبَ له في طَرِيقِ الحَجِّ، ويَشُدُّ له، ويَرْفَعُ حِمْلَه، ويَحُجُّ عن أبِيه، فدَفَعَ له أجْرًا لِخدْمَتِه، لم يَمْتَنِعْ (٦٨) ذلك، إن شاءَ اللهُ تعالى.

فصل: وما لا يَخْتَصُّ فاعِلُه أن يكونَ من أهْلِ القُرْبَةِ، كتَعْلِيمِ الخَطِّ والحِسَابِ والشِّعْرِ المُبَاحِ، وأشْبَاهِه، وبنَاءِ المَسَاجِد والقَنَاطِر، جازَ أخْذُ الأجْرِ عليه؛ لأنَّه يَقَعُ تارَةً قُرْبةً، وتارةً غيرَ قُرْبَةٍ، فلم يُمْنَعْ من الاسْتِئْجارِ لِفِعْلِه، كغَرْسِ الأشْجارِ، وبِنَاءِ البُيُوتِ. وكذلك في تَعْلِيمِ الفِقْهِ والحَدِيثِ. وأمَّا ما لا يَتَعَدَّى نَفْعُه فاعِلَه من العِبَاداتِ المَحْضَةِ، كالصِّيَامِ، وصَلَاةِ الإِنسانِ لِنَفْسِه، وحَجِّهِ عن نَفْسِه، وأداءِ زَكَاةِ نَفْسِه، فلا يجوزُ أخْذُ الأَجْرِ عليها، بغير خِلَافٍ؛ لأنَّ الأجْرَ عِوَضُ الانْتِفاعِ، ولم يَحْصُلْ لغيرِه ههُنا انْتِفَاعٌ، فأشْبَهَ إجارَةَ الأعْيانِ التي لا نَفْعَ فيها.

فصل: إذا اخْتَلَفَا في قَدْرِ الأجْرِ، فقال: أجَرْتَنِيهَا سَنَةً بدِينَارٍ. قال: بل بدِينَارَيْنِ. تَحَالَفَا، ويُبْدَأُ بِيَمِينِ الآجِرِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الشافِعىِّ؛ لأنَّ الإِجَارَةَ نَوْعٌ من البَيْعِ، فإذا تَحَالَفَا قبل مُضِىِّ شيءٍ من المُدَّةِ (٦٩) فَسَخَا العَقدَ، ورَجَعَ كلُّ واحدٍ منهما في مالِه. وإن رَضِىَ أحَدُهُما بما حَلَفَ عليه الآخَرُ، قَرَّ العَقْدُ. وإن فَسَخَا العَقْدَ بعدَ المُدَّةِ أو شيءٍ منها، سَقَطَ المُسَمَّى ووَجَبَ أجْرُ المِثْلِ، كما لو اخْتَلَفَا في المَبِيعِ بعد تَلَفِه. وهذا قولُ الشّافِعِىِّ. وبه قال أبو حنيفةَ إن لم يكُنْ عَمِلَ العَمَلَ، وإن كان عَمِلَه فالقولُ قولُ المُسْتَأْجِرِ فيما بينه وبين أجْرِ مِثْلِه. وقال أبو ثَوْرٍ: الفولُ قولُ المُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ للزِّيادَةِ في الأجْرِ، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. ولَنا، أنَّ الإِجَارَةَ نَوْعٌ من البَيْعِ، فيَتَحَالَفَانِ عندَ اخْتِلَافِهِما في عِوَضِها، كالبَيعِ، وكما قبلَ أن يَعْمَلَ العَمَلَ عندَ أبى حنيفةَ. وقال ابنُ أبي موسى: القولُ قولُ المالِكِ؛ لقولِ النبيِّ


(٦٨) في الأصل: "يمنع".
(٦٩) في الأصل زيادة: "ثم".

<<  <  ج: ص:  >  >>