للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في البَحْرِ مَساكِينَ، فقال تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (٣٠). وقد بَيَّنّا بما ذَكَرْنَاهُ من قَبْلُ أنَّ الغِنَى يَخْتَلِفُ مُسَمَّاهُ، فيَقَعُ على ما يُوجِبُ الزكاةَ، وعلى ما يَمْنَعُ منها، فلا يَلْزَمُ من وُجُودِ أحَدِهما وُجُودُ الآخَر، ولا من عَدَمهِ عَدَمُهُ، فمَن قال: إن الغِنَى هو الكِفَايَةُ. سَوَّى بين الأثْمانِ وغيرِها، [وجَوَّزَ الأخْذَ لِكُلِّ مَنْ لا كِفايَةَ له، وإن مَلَكَ نُصُبًا من جَمِيعِ الأمْوَالِ. ومَن قال بالرِّوَايَةِ الأُخْرَى، فَرَّقَ بين الأثْمَانِ وغيرِها] (٣١)؛ لِخَبَرِ ابْنِ مسعودٍ، ولأنَّ الأثْمانَ آلةُ الإنْفاقِ المُعَدَّةُ له دُونَ غيرها، فَجَوَّزَ الأخْذَ لِمَنْ لا يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، أو قِيمَتَها من الذَّهَبِ، ولا ما تَحْصُلُ به الكِفايَةُ مِن مَكْسَبٍ، [أو أُجْرَةِ عَقَارٍ] (٣٢)، أو غيرِه، أو نَمَاءِ سَائِمَةٍ أو غيرِها. وإن كان له مَالٌ مُعَدٌّ لِلْإِنْفاقِ من غيرِ الأثْمَانِ، فيَنْبَغِي أن تُعْتَبَرَ الكِفايَةُ به في حَوْلٍ كَامِلٍ؛ لأنَّ الحَوْلَ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الزكاةِ بِتَكَرُّرِهِ، فيأْخُذُ منها كُلَّ حَوْلٍ ما يَكْفِيهِ إلى مِثْلِه، ويُعْتَبَرُ وُجُودُ الكِفايَةِ له ولِعَائِلَتِه ومَن يَمُونُه؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نهم مَقْصُودٌ دَفْعَ حَاجَتِه، فيُعْتَبَرُ له ما يُعْتَبَرُ لِلْمُنْفَرِدِ. وإن كان له خَمْسُونَ دِرْهَمًا، جازَ أن يَأْخُذَ لِعَائِلَتِه حتى يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم خَمْسُونَ دِرْهَمًا (٣٣). قال أحمدُ، في رِوَايَةِ أبي دَاوُدَ، في مَن يُعْطِي الزكاةَ وله عِيَالٌ: يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ من عِيَالِهِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ. وهذا لأنَّ الدَّفْعَ إنَّما هو إلى العِيالِ؛ وهذا نَائِبٌ عنهم في الأخْذِ.

فصل: وإذا (٣٤) كان لِلْمَرْأةِ الفَقِيرَةِ زَوْجٌ مُوسِرٌ يُنْفِقُ عليها، لم يَجُزْ دَفْعُ الزَّكاةِ إليها، لأنَّ الكِفايَةَ حَاصِلَةٌ لها بما يَصِلُها من النَّفَقَةِ (٣٥) الوَاجِبَةِ، فأشْبَهَتْ


(٣٠) سورة الكهف ٧٩.
(٣١) سقط من: أ.
(٣٢) في أ، م: "أو أجرة أو عقار".
(٣٣) سقط من: أ، ب، م.
(٣٤) في م: " وإن".
(٣٥) في أ، ب، م: "نفقتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>