للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبِيعِ، والثَّمَرَةُ لا تَجِبُ زكاتُها في الذِّمَّةِ حتى تُحْرَزَ؛ لأنَّها في حُكْمِ غيرِ المَقْبُوضِ، ولهذا لو تَلِفَتْ بِجائِحَةٍ كانتْ في (١٩) ضمانِ البَائِعِ، على ما دَلَّ عليه الخَبَرُ. وإذا قُلْنَا بِوُجُوبِ الزكاةِ في العَيْنِ، فليس هو بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ منه، ولهذا لا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فيه، والحَجُّ لا يَجِبُ حتى يَتَمَكَّنَ من الأدَاءِ، فإذا وَجَبَ لم يَسْقُطْ بِتَلَفِ المالِ، بِخِلافِ الزكاةِ، فإنَّ التَّمَكُّنَ ليس بِشَرْطٍ لِوُجُوبِها، على ما قَدَّمْنَاهُ. والصَّحِيحُ، إن شاءَ اللهُ، أنَّ الزكاةَ تَسْقُطُ بِتَلَفِ المالِ، إذا لم يُفَرِّطْ في الأدَاءِ؛ لأنَّها تَجِبُ على سَبِيلِ المُواسَاةِ، فلا تَجِبُ على وَجْهٍ يَجِبُ أداؤُها مع عَدَمِ المَالِ وفَقْرِ من تَجِبُ عليه، ومَعْنَى التَّفْرِيطِ، أنْ يَتَمَكَّنَ مِن إخْرَاجِها فلا يُخْرِجُها، وإنْ لم يَتَمَكَّنْ من إخْراجِها، فليس بِمُفَرِّطٍ، سَوَاءٌ كان ذلك لِعَدَمِ المسْتَحِقِّ، أو لِبُعْدِ المالِ عنه، أو لِكَوْنِ الفَرْضِ لا يُوجَدُ في المالِ، ويَحْتَاجُ إلى شِرَائِه، فلم يَجِدْ ما يَشْتَرِيه، أو كان في طَلَبِ الشِّرَاءِ، أو نحو ذلك. وإنْ قُلْنَا بِوُجُوبِها بعدَ تَلَفِ المالِ، فأمْكَنَ المالِكَ أدَاؤُها، أدَّاهَا، وإلَّا أُنْظِرَ بها إلى مَيْسَرَتِه، وتَمَكُّنِه من أدَائِها من غَيْرِ مَضَرَّةٍ عليه؛ لأنَّه إذا لَزِمَ إنْظَارُه بِدَيْنِ الآدَمِيِّ المُتَعَيَّن فبِالزكاةِ التي هي حَقُّ اللهِ تعالى أوْلَى.

فصل: ولا تَسْقُطُ الزكاةُ بِمَوْتِ رَبِّ المالِ، وتُخْرَجُ من مالِه، وإن لم يُوصِ (٢٠) بها. هذا قولُ عَطاءٍ، والحسنِ، والزُّهْرِيِّ، وقَتَادَةَ، ومَالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وابْنِ المُنْذِرِ. وقال الأوْزَاعِيُّ، واللَّيْثُ، تُؤْخَذُ من الثُّلُثِ، مُقَدَّمَةً (٢١) على الوَصَايَا، ولا يُجَاوِزُ الثُّلُثَ. وقال ابْنُ سِيرِينَ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وحَمَّادُ بنُ أبي (٢٢) سليمانَ، ودَاوُدُ بنُ أبي هِنْدٍ (٢٣)، وحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ،


(١٩) في الأصل، ب: "من".
(٢٠) في م: "يرض".
(٢١) في الأصل: "مقدما".
(٢٢) سقط من: أ، م.
(٢٣) داود بن أبي هند واسمه دينار بن عذافر القشيري مولاهم، من فقهاء التابعين بالبصرة، توفي سنة تسع وثلاثين ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي ٩٠، تهذيب التهذيب ٣/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>