للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، فهل تصيرُ أُمَّ ولَدٍ؟ فيها قَوْلان، ولَنا، أنَّه وَطْءٌ يلْحَقُ به النَّسَبُ لشُبْهَةِ الملكِ، فتَصِيرُ به أُمَّ وَلَدٍ، كوَطْءِ جارَيه ابنِه، ويَبْطُلُ ما ذَكَرُوه بجارَيةِ الابْنِ، ولا نُسَلِّم ما ذكَرُوه، فإنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الملكَ يثْبُتُ فى الغَنِيمَةِ بمُجَرَّدِ الاغْتِنامِ، وعليه قِيمَتُها تُطرحُ فى الْمَغنَمِ؛ لأنَّه فَوَّتَها عليهم، وأَخْرَجَها من الغَنِيمةِ بفِعْلِه، فَلَزِمَتْه قيمَتُها، كما لو قَتَلَها، فإنْ كان مُعْسِرًا كان فى ذِمَّتِه قِيمتُها. وقال القاضى: إنْ (٨) كان مُعْسِرًا حُسِبَ قَدْرُ حِصَّتِه من الغَنِيمَةِ، فصارت (٩) أُمَّ وَلَدٍ، وباقِيها رَقِيقٌ للغانِمين؛ لأنَّ كَوْنَها أُمَّ ولَدٍ إنَّما يثْبُتُ بالسِّرَايَةِ فى مِلْكِ غيرِه، فلم يَسْرِ فى حَقِّ المُعْسِرِ، كالإِعْتاقِ. ولَنا، أنَّه اسْتيلادٌ جَعَلَ بعْضَها أُمَّ ولَدٍ، فيَجْعَلُ جَمِيعَها أُمَّ وَلَدٍ، كاسْتِلادِ جارَيةِ الابْنِ، وفارقَ العِتْقَ؛ لأنَّ الاسْتِيلادَ أقوَى، لكَوْنِه فِعْلًا، وينْفُذُ من المجنونِ. فأمَّا قيمَةُ الوَلدِ، فقال أبو بكَرٍ: فيها رِوايتان؛ إحْداهُما، تَلْزَمُه قِيمَتُه حين وَضْعِه، تُطْرَحُ فى الْمَغنَمِ؛ لأنَّه فَوَّتَ رِقَّه، فأشْبَهَ ولَدَ المَغْرورِ. والثانِيَةُ، لا تَلْزَمُه؛ لأنَّه مَلَكَها حين غلِقَتْ، ولم يثْبُتْ مِلْكُ الغانمين فى الوَلدِ بحالٍ، فأشْبَهَ ولدَ الأَبِ من جارَيةِ ابْنِه إذا وَطِئَها، ولأنه يَعْتِقُ حين عُلوقِه، ولا قِيمةَ له حينئذٍ. وقال القاضِى: إذا صارَ نِصْفُها أُمَّ وَلَدٍ، يكونُ الوَلَدُ كلُّه حُرًّا، وعليه قِيمةُ نِصْفِه.

فصل: وإذا كان فى الغَنِيمَةِ مَنْ يَعْتِقُ على بعضِ الغانمين، نَظَرْتَ؛ فإنْ كان رجلًا لم يَعْتِقْ؛ لأنَّ العبَّاسَ عَمَّ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعَمَّ عَلِىٍّ وعُقَيْلًا أخا عَلِىٍّ كانا فى أَسْرَى بَدْرٍ، فلم يَعْتِقَا عليهما (١٠)، ولأنَّ الرجُلَ لا يصِيرُ رَقِيقًا (١١) بنفْسِ السَّبْىِ. وإن اسْتُرِقَّ، أو كان الأسِيرُ امرأَةً أو صَبِيًّا عَتَقَ عليه قَدْرُ نَصِيبِه، وسَرَى إلى باقِيه إن كان مُوسِرًا، وإِنْ كان مُعْسِرًا لم يَعْتِقْ عليه إلَّا مِلْكُه منه. وقال الشافِعِىُّ: لا يَعْتِقُ منه شىءٌ. وهذا مُقْتَضَى قولِ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُه (١٢) بمُجَرَّدِ الاغْتِنامِ، ولو ملك لم يَتَعَيَّنْ مِلْكُه فيه، وإِنْ قَسَمَهُ،


(٨) فى م: "إذا".
(٩) فى الأصل، ب: "فصار".
(١٠) نص رواة السيرة على أسر عقيل بن أبى طالب، ولم يذكروا معه العباس بن عبد المطلب؛ لأنه كان أَسلم، وكان يكتم إسلامه خوف قومه. انظر: السيرة النبوية ٢/ ٣.
(١١) سقط من: ب.
(١٢) فى ب، م: "يملك".

<<  <  ج: ص:  >  >>