للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَطفُه (٢٧) عليها لاخْتلافِ اللَّفْظَيْنِ، ودليلُ ذلك، قولُ عُمرَ لأبى بَكْرَةَ: تُبْ، أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ. ولم يَعْتبِرْ أمرًا آخرَ، ولأن مَن كان غاصِبًا، فرَدَّ ما فى يَدَيْه، أو مانِعًا للزَّكاةِ، فأدَّاها وتابَ إلى اللَّهِ تعالى، قد حصَلَ منه الإِصْلاحُ، وعُلِمَ نُزوعُه عن مَعْصيَتِه بأداءِ ما عليه، ولو لم يُرِدِ التَّوبةَ، لَما (٢٨) أدَّى ما فى يَدَيْه (٢٩)، ولأنَّ تَقْييدَه بالسَّنَةِ تَحَكُّمٌ لم يَرِدِ الشَّرْعُ به (٣٠)، والتَّقديرُ إنَّما يَثْبُتُ بالتَّوْقيفِ، وما وَرَدَ عن عمرَ فى حقِّ صُبَيْغِ إنَّما كان لأَنَّه تائبٌ من بِدْعةٍ، وكانت تَوْبتُه بسببِ الضَّربِ والهِجْرانِ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أظْهَرَ التَّوبةَ تَسَتُّرًا، بخلافِ مَسْألتِنا. وقد ذكرَ القاضى، أَنَّ التائبَ من البِدْعةِ يُعتبَرُ له مُضِىُّ سَنَةٍ، لحديثِ صُبَيْغٍ. روَاه أحمدُ فى "الوَرعِ"، قال: ومِن عَلامَةِ تَوْبَتِه، أن يَجْتنِبَ مَن كانَ يُوَالِيه مِن أهلِ البِدَعِ، ويُوالِى مَن كان يُعادِيه مِن أهلِ السُّنَّةِ. والصَّحيحُ أَنَّ التَّوبةَ مِن البِدْعةِ كغَيرِها، إِلَّا أن تَكونَ التَّوبةُ بفِعْلٍ يُشْبِهُ الإِكْراهَ، كَتَوبةِ صُبَيْغٍ، فيُعْتبَرُ له مُدَّةٌ تُظْهِرُ أنَّ تَوْبتَه عن (٣١) إخْلاصٍ، لا عن إكْراهٍ. وللحاكِم أن يَقولَ للمُتظاهِرِ بالمَعْصَيةِ: تُبْ، أقْبَلْ شَهادتَكَ. وقال مالكٌ: لا أعْرفُ هذا. قال الشَّافعىُّ: كيفَ لا يعْرِفُه، وقد أمرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتَّوْبةِ، وقالَه عُمرُ لأبى بَكْرَةَ! .

١٩٠٤ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ شَهِد بِشَهَادَةٍ قَدْ كَانَ شَهِد بِهَا وَهُوَ غَيْرُ عَدْلٍ، ورُدَّتْ عَلَيْهِ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ فِى حَالِ عَدَالَتِهِ (١))

وجملتُه أَنَّ الحاكمَ إذا شهِدَ عندَه فاسِقٌ، فرَدَّ شَهادتَه لفِسْقِه، ثم تابَ وأَصلحَ، وأعادَ تلك الشَّهادةَ، لم يكُنْ له أن يَقْبَلَها. وبهذا قال الشَّافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وقال أبو ثَوْرٍ، والمُزَنىُّ، وداودُ: تُقْبَلُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: والنَّظرُ يَدُل على هذا؛ لأَنَّها شَهادةُ


(٢٧) فى ب: "وعطفها".
(٢٨) فى الأصل، م: "ما".
(٢٩) فى الأصل: "يده".
(٣٠) سقط من الأصل.
(٣١) فى الأصل، ب، م: "على".
(١) فى ب: "عدم الندم".

<<  <  ج: ص:  >  >>