للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِراحةُ أحَدِهِم، ومات من الجُرْحَيْنِ الآخَرَينِ، فله أن يَقْتَصَّ من الذي بَرَأَ جُرْحُه بمثل جُرْحِه، ويَقْتُلَ الآخَرَيْنِ، أو يَأْخُذَ منهما دِيَةً كاملةً، أو يَقْتُلَ أحَدَهُما ويأخذَ من الآخرِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وله أن يَعْفُوَ عن الذي بَرَأَ جُرْحُه، ويَأْخُذَ منه دِيَةَ جُرْحِه. فإن ادَّعَى المُوضِحُ أنَّ جُرْحَه بَرَأَ قبل مَوْتِه، وكَذَّبَه شَرِيكاه، نظَرْتَ في الوَلِيِّ، فإن صَدَّقَه ثَبَتَ حكمُ البُرْءِ بالنِّسْبةِ إليه، فلا يَمْلِكُ قَتْلَه، ولا مُطَالَبَتَه بثُلُثِ الدِّيَةِ، وله أن يَقْتصَّ منه مُوضِحةً، أو يأخُذَ منه أَرْشَها، ولم يُقْبَلْ قولُه في حَقِّ شَرِيكَيْه (٨)؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ البُرْءِ فيها، لكنْ ان اخْتارَ الوَلِيُّ القِصاصَ، فلا فائدةَ لهما في إنْكارِ ذلك؛ لأنَّ له أن يَقْتُلَهما، سَواءٌ بَرَأَتْ أو لم تَبْرَأْ. وإن اخْتارَ الدِّيَةَ، لم يَلْزَمْهُما أكثرُ من ثُلُثَيْها. وإن كَذَّبَه الوَليُّ، حَلَفَ، وله الاقْتِصاصُ منه، أو مُطَالَبَتُه بثُلُثِ الدِّيَةِ، ولم يكُنْ له مُطالَبةُ شَرِيكَيْه (٨) بأكثرَ من ثُلُثَيها (٩). فإن شَهِدَ له شَرِيكاه بِبُرْئِها، لَزِمَهُما الدِّيَةُ كاملةً؛ لإِقْرارِهما بوُجُوبِها، وللوَلِيِّ أخْذُها منهما إن صَدّقَهُما، وإن لم يُصَدِّقْهما، وعَفَا إلى الدِّيَةِ، لم يكُنْ له أكثرُ من ثُلُثَيْها؛ لأنَّه لا يَدَّعِي أكثرَ من ذلك. وتُقْبَلُ شَهادَتُهما له، ان كانا قد تَابَا وعُدِّلَا؛ لأنَّهما لا يَجُرَّانِ إلى أَنْفُسِهِما بذلك نَفْعًا، فيَسْقُطُ القِصاصُ عنه، ولا يَلْزَمُه أكثرُ من أرْشِ مُوضِحَةٍ.

فصل: إذا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَه من الكُوعِ، ثم قَطَعها آخَرُ من المَرْفِقِ، ثم مات، نَظَرْتَ؛ فإن كانت جِراحةُ الأوَّلِ بَرَأتْ قبلَ قَطْعِ الثاني، فالثاني هو القاتلُ وحدَه، وعليه القَوَدُ، أو الدِّيَةُ كاملةً، إن عَفَا عن قَتْلِه، وله قَطْعُ يَدِ الأوَّلِ، أو نِصْفُ (١٠) الدِّيَةِ، وإن لم تَبْرَأْ، فهما قاتِلانِ، وعليهما القِصاصُ في النَّفْسِ، وإن عَفَا إلى الدِّيَةِ، وجَبَتْ عليهما. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: [القاتلُ هو] (١١) الثاني وحدَه،


(٨) في ب، م: "شريكه".
(٩) في النسخ: "ثلثها".
(١٠) في الأصل: "ونصف".
(١١) في م: "هو القاتل".

<<  <  ج: ص:  >  >>