للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ. لم يَحْنَثْ بالشُّرْبِ ولا بِتَرْكِه؛ لما ذَكَرْنا فى الإِثْباتِ. ولا فَرْقَ بينَ تَقْديمِ الاسْتِثْناءِ وتأخِيرِهِ فى هذا كُلِّه، فإذا قال: واللَّهِ، إنْ شاءَ اللَّه، لا أَشْرَبُ اليومَ. أو: لأَشْرَبَنَّ اليومَ (١٥). فَفَعَلَ أو تَرَكَ، لم يَحْنَثْ؛ لأنَّ تقديمَ الشَّرْطِ وتَأْخِيرَه سواءٌ، قال اللَّه تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} (١٦).

فصل: وإِنْ قال: واللَّهِ لأَشْرَبَنَّ اليَوْمَ، إنْ شاءَ زَيْدٌ. فشاءَ زَيْدٌ، لَزِمَه الشُّرْبُ، فإنْ تَرَكَه حتى مَضَى اليومُ حَنِثَ، وإِنْ لم يَشَأ زَيْدٌ، لم يَلْزَمْه يَمِينٌ، فإنْ لم تُعْلَمْ مَشِيئَتُه لغَيْبَةٍ أو جُنونٍ أو موتٍ، انْحَلَّت اليَمِينُ؛ لأَنَّه لم يُوجَدِ الشَّرْطُ. وإِنْ قال: واللَّهِ لا أشْرَبُ، إلَّا أَنْ يشاءَ زيدٌ. فقد مَنَعَ نَفْسَه الشُّرْبَ إِلَّا أَنْ تُوجَدَ مَشِيئَةُ زيدٍ، فإنْ شاءَ فله الشُّرْبُ، وإِنْ لم يَشَأْ لم يشْرَبْ، وإِنْ خَفِيَتْ مَشِيئتُه لِغَيْبَةٍ أو موتٍ أو جُنونٍ، لم يَشْرَبْ، وإِنْ شَرِبَ حَنِث؛ لأنَّه مَنَعَ نَفْسَه إلَّا أَنْ تُوجَدَ المَشِيئَةُ، فلم يكُنْ له أَنْ يشْرَبَ قبلَ وجُودِها. وإِنْ قال: واللَّهِ لأَشْرَبَنَّ، إلَّا أَنْ يشاءَ زَيدٌ. فقد ألْزَمَ نَفْسَه الشُّرْبَ إلَّا أَنْ يشاءَ زيدٌ أَنْ لا يشْرَبَ؛ لأنَّ الاسْتِثْناءَ ضِدُّ المُسْتَثْنَى منه، والمُسْتَثْنَى منه (١٧) إيجابٌ لشُرْبِه بيَمِينِه، فإنْ شَرِبَ قبلَ مَشِيئَةِ زيدٍ بَرَّ. وإِنْ قال زيدٌ: قد شِئْتُ [أَنْ لا] (١٨) يَشْرَبَ. انْحَلَّت اليمينُ، لأَنّها مُعَلَّقَةٌ بعَدَمِ مَشِيئَتِه لِتَرْكِ الشربِ، ولم تتقدَّمْ، فلم يُوجَدْ شَرْطُها. وإِنْ قال: قد شِئْتُ أَنْ يشْرَبَ. أو: ما شِئْتُ أَنْ لا يشْرَبَ. لم تنْحَلَّ اليَمِينُ؛ لأنَّ هذه المشيئَةَ غيرُ المُسْتَثْناةِ، فإنْ خَفِيَت مَشِيئَتُه، لَزِمَه الشُّرْبُ؛ لأنّه علَّقَ وُجوبَ الشُّرْبِ بعَدَمِ المَشِيئَةِ، وهى مَعْدُومَةٌ بحُكْمِ الأَصْلِ. وإِنْ قال: واللَّهِ لا أشْرَبُ اليومَ، إنْ شاءَ زيدٌ. فقال زَيْدٌ: قد شِئْتُ أَنْ لا تَشْرَبَ. فشَرِبَ حَنِثَ، وإِنْ شَرِبَ قبلَ مَشِيئَتِه، لم يَحْنَثْ؛ لأَنَّ الامتناعَ من الشُّرْبِ مُعلَّقٌ بمَشِيئَتِه، ولم تثْبُتْ مَشِيئَتُه، فلم يثْبُت الامْتِناعُ، بخلافِ التى قبلَها. وإِنْ خَفِيَت مَشِيئَتُه، فهى فى حُكْمِ المَعْدومَةِ. والمشِيئَةُ فى هذه المواضِعِ أَنْ يقولَ بلسانِه.


(١٥) سقط من: الأصل، م.
(١٦) سورة النساء ١٧٦.
(١٧) سقط من: ب، م.
(١٨) فى الأصل، أ، ب: "إلا أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>