للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يُمْكِنْ إيجَابُ الأجْرِ في تَرِكتِه. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ لازِمٌ، فلا يَنْفَسِخُ بمَوْتِ العاقِدِ، مع سَلَامةِ المَعْقُودِ عليه، كما لو زَوّجَ أمَتَه ثم ماتَ. وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ فإنَّا قد ذَكَرْنا أنَّ المُسْتَأْجِرَ قد مَلَكَ المَنافِعَ، ومُلِكَتْ عليه الأُجْرَةُ كامِلَةً في وَقْتِ العَقْدِ. ثم يَلْزَمُهم ما لو زَوَّجَ أمَتَه ثم ماتَ. ولو صَحَّ ما ذَكَرُوه؛ لَكان (١) وُجُوب الأجْر ههُنا بِسَبَبٍ من المُسْتَأْجِرِ، فوَجَبَ (٢) في تَرِكَتِه بعد مَوْتِه، كما لو حَفَرَ بِئْرًا، فوَقَعَ فيها شيءٌ بعدَ مَوْتِه، ضَمِنَه من (٣) مالِه؛ لأنَّ سَبَبَ ذلك كان منه في حالِ الحَيَاةِ، كذا ههُنا.

فصل: وإن ماتَ المُكْتَرِى، ولم يكُنْ له وارِثٌ يَقُومُ مَقَامَه في اسْتِيفاءِ المَنْفَعةِ، أو كان غائِبًا، كمَن يَمُوتُ في طَرِيقِ مَكّةَ، ويَخْلُفُ جَمَلَه الذي اكْتَرَاه، وليس له عليه شيءٌ يَحْمِلُه، ولا وارِثَ له حاضِرٌ يَقُومُ مَقَامَه، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّ الإِجَارةَ تَنْفَسِخُ فيما بَقِىَ من المُدَّةِ؛ لأنَّه قد جاءَ أمْرٌ غالِبٌ، يَمْنَعُ المُسْتَأْجِرَ عن (٤) مَنْفَعةِ العَيْنِ، فأشْبَه ما لو غُصِبَتْ، ولأنَّ بَقَاءَ العَقْدِ ضَرَرٌ في حَقِّ المُكْتَرِى والمُكْرِى؛ لأنَّ المُكْتَرِىَ يَجِبُ عليه الكِرَاءُ من غيرِ نَفْعٍ، والمُكْرِىَ يَمْتَنِعُ عليه التَّصَرُّفُ في ماله، مع ظُهُورِ امْتِناعِ الكِرَاءِ عليه. وقد نُقِلَ (٥) عن أحمدَ، في رَجُلٍ اكْتَرَى بَعِيرًا، فماتَ المُكْتَرِى في بعضِ الطَّرِيقِ، فإن رَجَعَ البَعِيرُ خالِيًا، فعليه بِقَدْرِ ما وَجَبَ له (٤)، وإن كان عليه ثِقْلُه ووِطَاؤُه، فله الكِرَاءُ إلى المَوْضِعِ. وظاهِرُ هذا أنَّه حَكَمَ بِفَسْخِ العَقْدِ فيما بَقِىَ من المُدّةِ، إذا ماتَ المُسْتَأْجِرُ، ولم يَبْقَ له (٦) به انْتِفَاعٌ؛ لأنَّه تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ المَنْفَعةِ بأمْرٍ من اللَّه تَعالى، فأَشْبَه ما لو اكْتَرَى من يَقْلَعُ له ضِرْسَه، فبَرَأَ، أو انْقَلَعَ


(١) في النسخ: "لكن".
(٢) في النسخ: "فوجوب".
(٣) في الأصل: "في".
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) في الأصل: "قيل".
(٦) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>