للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَذْكِيَتُه فى الحلْقِ واللَّبَّةِ، فكذلك الأَهْلِىُّ إذا تَوَحَّشَ يُعْتَبرُ بحالِه. وبهذا فارَقَ ما ذَكَرُوه، فإذا تَرَدَّى فلم يُقْدَرْ على تَذْكِيَتِه، فهو مَعْجُوزٌ عن تَذْكِيَتِه، فأشْبَهَ الوَحْشِىَّ، فأمَّا إنْ كان رأْسُ المُتَرَدِّى فى الماءِ، لم يُبَحْ؛ لأَنَّ الماءَ يُعِينُ على قَتْلِه، فيحْصُلُ قَتْلُه بمُبِيحٍ وحاظِرٍ، فيَحْرُمُ، كما لو جرَحَه مسلمٌ ومَجُوسِىٌّ.

١٧٢١ - مسألة؛ قال: (والمُسْلِمُ والْكِتَابِىُّ فى كُلِّ ما وَصَفْتُ سَواءٌ)

يعنى فى الاصْطِيادِ والذَّبْحِ. وأجْمَعَ أَهلُ العلمِ على إباحَةِ ذبائِحِ أهلِ الكتابِ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١). يعنى ذَبائِحَهم. قال البُخارِىُّ (٢): قال ابنُ عبَّاس: طَعامُهم ذَبائِحُهم. وكذلك قال مُجاهِدُ وقَتادَةُ. ورُوِىَ معناه عن ابنِ مسعود، وأَكْثَرُ أهل العلمِ يَرَوْنَ إباحَةَ صَيْدِهِم أيضًا. قال ذلك عَطاءٌ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ، وأَصْحابُ الرَّأْى. ولا نعلَمُ أحدًا حَرَّمَ صيدَ أَهْلِ الكتابِ إلَّا مالِكًا، أباحَ ذبائِحَهُم، وحَرَّمَ صَيْدَهُم. ولا يصِحُّ؛ لأنَّ صَيْدَهم من طَعامِهم، فيدْخُلُ فى عُمومِ الآيةِ، ولأنَّ مَنْ حَلَّتْ ذَبِيحَتُه، حَلَّ صَيْدُه، كالمسلمِ.

فصل: ولا فَرْقَ بينَ العدْلِ والفاسِقِ بن المسلمين وأَهْلِ الكتابِ. وعن ابنِ عبّاسٍ: لا تُؤْكَل ذَبِيحةُ الأَقْلَفِ (٣). وعن أحمد مثلُه. والصَّحِيحُ إباحَتُه؛ لأنَّه (٤) مُسْلِم، فأشْبَهَ سائِرَ المسلمين، وإذا أُبِيحَتْ ذَبِيحَةُ القاذِفِ والزانِى وشارِبِ الخَمْرِ، مع تحقيقِ فِسْقِه، وذَبِيحَةُ النَّصْرانِىِّ وهو كافِرٌ أقْلَفُ، فالمسلِمُ أَوْلَى.

فصل: ولا فَرْقَ بين الحربِىِّ والذِّمِّىِّ، فى إباحَةِ ذَبِيحَة الكِتابِىّ منهم، وتَحْريمِ ذَبِيحَةِ مَنْ سِواهُ، وسُئِلَ أحمدُ عن ذبائحِ نَصارَى أهلِ الحربِ، فقال: لا بَأْسَ بها، حديثُ عبد اللَّه بن مُغَفَّلٍ فى الشَّحْمِ (٥). قال إسحاقُ: أجادَ. وقال ابنُ المنذِرِ: أجْمَعَ على هذا كلُّ مَنْ


(١) سورة المائدة ٥.
(٢) فى: باب ذبائح أهل الكتاب، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى ٧/ ١٢٠.
(٣) أخرجه عد الرزاق بمعناه، فى: باب ذبيحة الأقلف والسبى. . .، من كتاب المناسك. المصنف ٤/ ٤٨٣. والأقلف: الذى لم يختن.
(٤) فى أ، م: "فإنه".
(٥) تقدم تخريجه، فى: ١/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>