للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يَثْبُتُ بها المِلْكُ قبلَ القَبْضِ، فإنَّ حُكْمَ (١٣) المِلْكِ حُكْمُ الهِبَةِ، والصِّحَّةُ اعْتِبارُ الشىءِ في حَقِّ حُكْمِه. وأما الصِّحَّةُ (١٤) بمَعْنَى انْعِقادِ اللَّفْظِ بحيثُ إذا انْضَمَّ إليه القَبْضُ اعْتُبِرَ وثَبَتَ (١٥) حُكْمُه، فلا يَصِحُّ حَمْلُ لَفْظِه على نَفْيِه، لِعَدَمِ الخِلَافِ فيه، ولأنَّه قال في سِيَاقِ المَسْألةِ: "كما يَصِحُّ في البَيْعِ". وقد تَقَرَّرَ في البَيْعِ أنَّ بَيْعَ المَكِيلِ والمَوْزُونِ صَحِيحٌ قبلَ القَبْضِ، وإنَّما يَنْتَفِى الضَّمَانُ وإطْلَاقُه في التَّصَرُّفاتِ. وقوله: "ما يُكَالُ وما يُوزَنُ" ظاهِرُه العُمُومُ في كلِّ مَوْزُونٍ ومَكِيلٍ، وخَصَّهُ أصْحَابُنا المتَأَخِّرُونَ بما ليس بمُتَعَيِّنٍ فيه، كالقَفِيزِ من صُبْرةٍ، والرِّطْلِ من زُبْرَةٍ. وقد ذَكَرْنا ذلك في البَيْعِ، ورَجَّحْنَا العُمُومَ.

فصل: والواهِبُ بالخِيَارِ قبلَ القَبْضِ، إن شاءَ أَقْبَضَها وأمْضَاهَا، وإن شاءَ رَجَعَ فيها ومَنَعَها. ولا يَصِحُّ قَبْضُها إلَّا بإذْنِه، فإن قَبَضَها المَوْهُوبُ له بغير إذْنِه لم تَتِمَّ الهِبَةُ، ولم يَصِحَّ القَبْضُ. وحُكِى عن أبي حنيفةَ أنَّه إذا قَبَضَها في المَجْلِسِ صَحَّ، وإن لم يَأْذَنْ له؛ لأنَّ الهِبَةَ قامَتْ مَقَامَ الإِذْنِ في القَبْضِ، لِكَوْنها دَالَّةً على رِضَاهُ بالتَّملِيكِ الذي لا يَتِمُّ إلَّا بالقَبْضِ. ولَنا، أنَّه قَبَضَ الهِبةَ بغيرِ إذْنِ الواهِبِ، فلم يَصِحَّ، كما بعدَ المَجْلِسِ، أو كما لو نَهَاهُ عن قَبضِها، ولأنَّ (١٦) التَّسْلِيمَ غيرُ مُسْتَحَقٍّ على الواهِبِ، فلا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ إلَّا بإذْنِه، كما لو أخَذَ المُشْتَرِى المَبِيعَ من البائِعِ قبلَ تَسْلِيمِ ثَمَنِه. ولا يَصِحُّ جَعْلُ الهِبَةِ إذْنًا في القَبْضِ، بِدَلِيلِ ما بعدَ المَجْلِسِ. ولو أذِنَ الواهِبُ في القَبْضِ، ثم رَجَعَ عن الإِذْنِ، أو رَجَعَ في الهِبَةِ، صَحَّ رُجُوعُه؛ لأنَّ ذلك ليس بِقَبْضٍ، وإن رَجَعَ بعد القَبْضِ، لم يَنْفَعْ رُجُوعُه؛ لأنَّ الهِبَةَ تَمَّتْ.


(١٣) سقط من: م.
(١٤) في م: "صحته".
(١٥) في م: "ويثبت".
(١٦) في الأصل: "وليس".

<<  <  ج: ص:  >  >>