للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال حُذَيْفَةُ وأبو موسى: صَدَقَ أبو عبدِ الرحمنِ. رَوَاه الأثْرَمُ، في "سُنَنِه" (٨). ولأنَّها تَكْبِيراتٌ حالَ القِيامِ فاسْتُحِبَّ أن يَتَخَلَّلَها ذِكْرٌ، كتكْبِيراتِ الجِنازَةِ، وتُفارِقُ التَّسْبِيحَ؛ لأنَّه ذِكْرٌ يَخْفَى ولا يَظْهَرُ بِخلافِ التَّكْبِيرِ. وقِيَاسُهم مُنْتَقِضٌ بِتَكْبِيرَاتِ الجِنازَةِ. قال القاضي: يَقِفُ بين كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ آيةٍ، لا طَوِيلَةٍ ولا قَصِيرَةٍ. وهذا قولُ الشَّافِعِىِّ.

فصل: والتَّكْبِيرَاتُ والذِّكْرُ بينها سُنَّةٌ، وليس بوَاجِبٍ، ولا تَبْطُلُ الصلاةُ بِتَرْكِه عَمْدًا ولا سَهْوًا، ولا أعْلَمُ فيه خِلافًا، فإن نَسِىَ التَّكْبِيرَ، وشَرعَ في القِراءَةِ، [لم يَعُدْ إليه. قالَه ابنُ عَقِيلٍ، وهو أحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه سُنَّةٌ، فلم يَعُدْ إليه بعد الشُّرُوعِ في القِراءَةِ] (٩)، كالاسْتِفْتَاحِ. وقال القاضي: فيها وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يَعُودُ إلى التَّكْبيرِ. وهو قولُ مالِكٍ، وأبى ثَوْرٍ، والقولُ الثانِى للشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه ذَكَرَهُ في مَحَلِّه، فيأْتِى به كما قبلَ الشُّرُوعِ في القِراءَةِ، وهذا لأنَّ مَحَلَّه القِيامُ، وقد ذَكَرَه فيه، فعلى هذا يَقْطَعُ القِرَاءةَ ويُكَبِّرُ، ثم يَسْتَأْنِفُ القِراءَةَ، لأنَّه قَطَعَها مُتَعَمِّدًا بذِكْرٍ طَوِيلٍ. وإن كان المَنْسِىُّ شَيْئًا يَسِيرًا احْتَمَلَ أن يَبْنِىَ؛ لأنَّه لم يَطُلِ الفَضْلُ، أَشْبَهَ ما لو قَطَعَها بقولِ آمِينَ. واحْتَمَلَ أنْ يَبْتَدِئَ؛ لأنَّ مَحَلَّ التَّكْبِيرِ قبل القِرَاءَةِ، ومَحَلَّ القِراءةِ بعدَه، فَيَسْتَأْنِفُها، لِيَأْتِىَ بها بعدَه. وإن ذَكَرَ التَّكْبِيرَ بعد القِرَاءَةِ، فأتَى به، لم يُعِدِ القِرَاءَةَ وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّها وَقَعَتْ مَوْقِعَها. وإنْ لم يَذْكُرْه حتى رَكَعَ، سَقَطَ وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه فاتَ المَحَلَّ. وكذلك المَسْبُوقُ إذا أدْرَكَ الرُكُوعَ، لم يُكَبِّرْ فيه. وقال أبو حنيفةَ: يُكَبِّرُ فيه؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ القِيامِ، بدَلِيلِ إدْراكِ الرَّكْعَةِ به. ولَنا، أنَّه ذِكْرٌ مَسْنُونٌ حالَ القِيامِ، فلم يَأْتِ به في الرُّكُوعِ، كالاسْتِفْتاحِ، وقِراءَةِ السُّورَةِ، والقُنُوتِ عندَه، وإنَّما أدْرَكَ الرَّكْعَةِ بإدْراكِه، لأنَّه أدْرَكَ


(٨) وأخرجه البيهقي، في: باب يأتى بدعاء الاستفتاح عقيب تكبيرة الافتتاح، من كتاب صلاة العيدين. السنن الكبرى ٣/ ٢٩١.
(٩) سقط من: أ. نقلة نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>