للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا نِكَاحَ الَّا بِوَلِىٍّ مُرْشِدٍ، وشَاهِدَىْ عَدْلٍ" (٢٣). ولأنَّها وِلايةٌ نَظَرِيّةٌ، فلا يَسْتَبدُّ بها الفاسِقُ، كوِلايةِ المالِ. والرِّوايةُ الأُخْرَى، ليست بشَرْطٍ. نقَل مُثَنَّى بن جامعٍ، أنَّه سأل أحمدَ: اذا تَزَوّجَ بوَلىٍّ فاسِقٍ (٢٤)، وشُهُودٍ غيرِ (٢٥) عُدُولٍ؟ فلم يَرَ أنَّه يَفْسُدُ من النِّكاحِ شىءٌ، وهذا ظاهرُ كلام الْخِرَقِى؛ لأنَّه ذَكَرَ الطِّفلَ والعبدَ والكافرَ، ولم يذكرِ الفاسقَ. وهو قول مالكٍ، وأبى حنيفةَ، وأحدُ قَوْلَى الشافعىِّ؛ لأنَّه يَلِى نكاحَ نَفْسِه، فتَثْبُتُ له الوِلايةُ على غيرِه، كالعَدْلِ (٢٦)، ولأنَّ سَبَبَ الوِلايةِ القَرابةُ، وشَرْطَها النَّظَرُ، وهذا قَرِيبٌ ناظِرٌ، فيَلِى كالعَدْلِ.

فصل: ولا يُشْتَرطُ أن يكونَ بَصِيرًا؛ لأنَّ شُعَيْبًا، عليه السلامُ، زَوَّجَ ابنتَه وهو أعْمَى، ولأنَّ المقصودَ فى النِّكاحِ يُعْرَفُ بالسَّماعِ والاسْتِفاضةِ، فلا يَفْتَقِرُ إِلى النَّظَرِ. ولا يُشْتَرَطُ كونُه ناطِقًا، بل يجوزُ أن يَلِىَ الأَخْرَسُ إذا كان مَفْهُومَ الإِشارةِ؛ لأنَّ إشارَتَه تقومُ مَقامَ نُطْقِه فى سائرِ العُقُودِ والأحكامِ، فكذلك فى النِّكاحِ.

فصل: ومَنْ لم تَثْبُتْ له الولايةُ، لا (٢٧) يَصِحُّ تَوْكِيلُه؛ لأنَّ وَكِيلَه نائبٌ عنه وقائمٌ مقامَه. وإن وَكَّله الوَلِىُّ فى تَزْويج مُوَلِّيَتِه، لم يَجُزْ؛ لأنَّها وِلايةٌ، وليس هو من أهْلِها، ولأنَّه لمَّا يَمْلِكْ تَزْوِيجَ مُنَاسِبَتِه بوِلايةِ النَّسَبِ، فلأَنْ لا يَمْلِكَ تزويجَ مُناسبَةِ غيرِه بالتَّوْكيلِ أوْلَى. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ تَوْكِيلُ العَبْدِ والفاسقِ والصبىِّ المُمَيِّزِ فى العَقْدِ؛


= وهو أبو بكر أحمد محمد بن أحمد البرقانى الفقيه المحدث الأديب، صاحب التصانيف المشهورة، توفى سنة خمس وعشرين وأربعمائة. اللباب ١/ ١١٣.
(٢٣) أورده الهيثمى، فى: باب ما جاء فى الولى والشهود، من كتاب النكاح. مجمع الزوائد ٤/ ٢٨٦. ولم يورد فيه لفظ: "مرشد".
(٢٤) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٢٥) سقط من: م.
(٢٦) فى م: "كالعدول".
(٢٧) فى م: "لم".

<<  <  ج: ص:  >  >>