للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يَتَأَخَّرَ قَبْضُه يَوْمَيْنِ وثلاثةً وأكْثَرَ، ما لم يكُنْ ذلك شَرْطًا؛ لأنَّه مُعَاوَضَةٌ لا يَخْرُجُ بِتَأْخِيرِ قَبْضِه من أن يكونَ سَلَمًا، فأشْبَه ما لو تَأَخَّرَ إلى آخِر المَجْلِسِ. ولَنا، أنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، لا يجوزُ فيه شَرْطُ تَأْخِيرِ العِوَضِ المُطْلَقِ، فلا يجوزُ التَّفَرُّقُ فيه قبلَ القَبْضِ، كالصَّرْفِ، ويُفَارِقُ المَجْلِسُ ما بعدَه، بِدَلِيلِ الصَّرْفِ. وإن قَبَضَ بعدَه، ثم تَفَرَّقَا، فكلامُ الخِرَقِيِّ يَقْتَضِى أن لا يَصِحَّ؛ لقولِه: "كَامِلًا". وحُكِىَ ذلك عن ابنِ شُبْرُمَةَ والثَّوْرِىِّ. وقال أبو الخَطَّابِ: هل يَصِحُّ في غير المَقْبُوضِ؟ على وَجْهَيْنِ، بنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وهذا الذي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ. وقد نَصَّ أحْمَدُ في رِوَايَةِ ابن مَنْصُورٍ، إذا أَسْلَمَ ثَلَاثَمائة دِرْهَمٍ في أصْنَافٍ شَتَّى؛ مائةً في حِنْطَةٍ، [ومائةً في شَعِيرٍ] (١)، ومائةً في شىءٍ آخَرَ، فخَرَجَ فيها زُيُوفٌ، رَدَّ على الأصْنافِ الثَّلَاثَةِ، على كلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِ ما وَجَدَ من الزُّيُوفِ، فصَحَّ (٢) العَقْدُ في البَاقِى بِحِصَّتِه من الثمَنِ. وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، في مَن أسْلَمَ أَلْفًا إلى رَجُلٍ، فَقَبَّضَهُ نِصْفَه، وأحَالَه بِنِصْفِه، أو كان له دَيْنٌ على المُسْلَمِ إليه بِقَدْرِ نِصْفِه، فحَسَبَهُ عليه من الأَلْفِ: فإنه يَصِحُّ السَّلَمُ في النِّصْفِ المَقْبُوضِ، ويَبْطُلُ في البَاقِى. فأَبْطَلَ السَّلَمَ فيما لم يَقْبِضْ، وصَحَّحَهُ فيما قَبَضَ. وحُكِىَ عن أبي حنيفةَ أنَّه قال: يَبْطُلُ في الحَوَالَةِ في الكُلِّ. وفى المَسْأَلَةِ الأُخْرَى: يَبْطُلُ فيما لم يَقْبِضْ، ويَصِحَّ فيما قَبَضَ بِقِسْطِه؛ بنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

فصل: وإن قَبَضَ الثَّمَنَ فوَجَدَهُ رَدِيئًا، فرَدَّهُ والثَّمَنُ مُعَيَّنٌ، بَطَلَ العَقْدُ بِرَدِّه، ويَبْتَدِئَانِ عَقْدًا آخَرَ إن أحَبَّا. وإن كان في الذِّمَّةِ، فله إبْدَالُه في المَجْلِسِ، ولا يَبْطُلُ العَقْدُ بِرَدِّه؛ لأنَّ العَقْدَ إنَّما وَقَعَ على ثَمَنٍ سَلِيمٍ، فإذا دَفَعَ إليه ما ليس بِسَلِيمٍ، كان له المُطَالَبَةُ بالسَّلِيمِ، ولا يُؤَثِّرُ قَبْضُ المَعِيبِ في العَقْدِ. وإن تَفَرَّقَا، ثم عَلِمَ عَيْبَه فرَدَّهُ، ففيه وَجْهانِ: أحَدُهما، يَبْطُلُ العَقْدُ بِرَدِّهِ، لِوُقُوعِ القَبْضِ بعد التَّفَرُّقِ،


(١) سقط من: أ.
(٢) في أ: "فصحح".

<<  <  ج: ص:  >  >>