للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ولو قَلَعَ الأعْوَرُ عَيْنَ مثلِه، ففيه القِصاصُ، بغيرِ خلافٍ؛ لِتَسَاوِيهِما من كلِّ وَجْهٍ، إذا كانت العَيْنُ مثلَ العينِ، في كونِها يَمِينًا أو يَسارًا. وإن عَفَا إلى الدِّيَةِ، فله جَمِيعُها، وكذلك إن قَلَعَها خطأً، أَو عَفَا بعضُ مُسْتَحِقِّى القِصاصِ؛ لأنَّه ذَهَبَ بجميعِ بَصَرِه، فأشْبَهَ ما لو قَلَعَ عَيْنَىْ صَحِيحٍ.

فصل: وإن قَلَعَ الأعورُ عَيْنَىْ صحيحٍ، فقال القاضي: هو مُخَيَّرٌ، إن شاء اقْتَصَّ ولا شىءَ له سِوى ذلك؛ لأنَّه قد أخَذَ جَمِيعَ بَصَرِهِ [بجميعِ بَصَرِهِ] (٢١)، فإن اختارَ الدِّيَةَ، فله دِيَةٌ واحدةٌ؛ لقَوْلِ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَفِى الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ". ولأنَّه (٢٢) لم يتَعذَّرِ القِصاصُ، فلم تَتضاعَفِ الدِّيةُ، كما لو قَطَعَ الأَشَلُّ يَدَ صَحِيحٍ، أو كان رأسُ الشاجِّ أَصْغَرَ، أو يَدُ القاطعِ أنْقَصَ. وقال القاضي: يَقْتَضِى الفِقْهُ أن يَلْزَمَه دِيَتَانِ، إحداهما لِلعَيْنِ التي تُقابِلُ عَيْنَه، والدِّيَةُ الثانية لأجْلِ العَيْنِ الناتِئَةِ؛ لأنَّها عَيْنُ أعْوَرَ. والصَّحِيحُ ما قُلْنا، وهو قولُ أكثر أهلِ العلمِ، وأشَدُّ مُوافَقةً للنُّصُوصِ، وأصَحُّ في المَعْنَى.

فصل: وإن قَلَعَ صحيحُ العَيْنَيْنِ عَيْنَ أعْوَرَ، فله القِصاصُ من مِثْلِها، ويأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ. نصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه ذَهَبَ بجميعِ بَصَرِه، وأذْهَبَ الضَّوْءَ الذي بَدَلُه دِيَةٌ كاملةٌ، وقد تعَذَّرَ اسْتِيفاءُ جميعِ الضَّوْءِ، إذْ لا يُمْكِنُ أخْذُ عَيْنَيْنِ بعَيْنٍ واحدةٍ، ولا أخْذُ يَمِينٍ بيُسْرَى، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ ببَدَلِ نِصْفِ الضَّوْءِ. ويَحْتَملُ أنَّه ليس له إلَّا القِصاصُ من غيرِ زِيادةٍ، أو العَفْوُ إلى (٢٣) الدِّيَةِ، كما لو قَطَعَ الأشَلُّ يَدًا صحيحةً، ولأنَّ الزيادةَ ههُنا غيرُ مُتَمَيِّزةٍ، فلم يكُنْ لها بَدَلٌ، كزِيادةِ الصَّحِيحةِ على الشَّلَّاءِ، هذا مع عُمُومِ قولِه تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}.


(٢١) سقط من: ب، م.
(٢٢) في م: "لأنه".
(٢٣) في الأصل، م: "على".

<<  <  ج: ص:  >  >>