للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجُنُونُ لا يُنافِيه، بدليلِ صِحَّةِ عِتْقِ المَجْنُونِ. فعلى هذا، إِنْ أَدَّى إليه المالَ، عَتَقَ؛ لأنَّ السَّيِّدَ إذا قَبَضَ منه، فقد اسْتَوْفَى حَقَّه الذى كان عليه، وله أخْذُ المالِ مِن يَدِه، فيتَضَمَّنُ ذلك بَراءَتَه من المالِ، فيَعْتِقُ بحُكْمِ العَقْدِ، وإن لم يُؤَدِّ إليه (١٧)، كان للسَّيِّدِ أن يُحْضِرَه عندَ الحاكمِ، وَتَثْبُتُ الكِتابةُ بالبَيِّنَةِ، فيَبْحَثُ الحاكمُ عن مالِه، فإنْ وَجَدَ له مالًا، سَلَّمَه فى الكِتابةِ، وعَتَقَ، وإن لم يَجِدْ له مالًا، جَعَلَ له أَنْ يُعَجِّزَه، ويُلْزِمَه الإِنْفاقَ عليه؛ لأَنَّه عادَ قِنًّا، ثمَّ إِنْ وَجَدَ له الحاكمُ بعدَ ذلك مالًا يَفِى بمالِ الكِتابةِ، أَبْطَلَ فَسْخَ السَّيِّدَ؛ لأنَّ الباطِنَ (١٨) بان بخِلافِ ما حَكَمَ به، فبَطَلَ حُكْمُه، كما إذا أخْطَأَ النَّصَّ وحَكَمَ بالاجْتِهادِ، إِلَّا أنَّه يَرُدُّ على السَّيِّدَ ما أَنْفَقَه مِن حينِ الفَسْخِ؛ لأَنَّه لم يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عليه فى الباطِنِ. وإن أفَاقَ، فأقامَ البَيِّنَةً أنَّه كان قد دَفَعَ إليه مالَ الكِتابةِ، بَطَلَ أيضًا فَسْخُ السَّيِّدِ، ولا يَرُدُّ عليه ما أَنْفَقَهَ؛ لأَنَّه أَنْفَقَ عليه مع عِلْمِه بحُرِّيَّتِه، فكان مُتَطَوِّعًا بذلك، فلم يَرْجِعْ به. ويَنْبَغِى أَنْ يَسْتَحْلِفَ السَّيِّدَ الحاكمُ، أَنَّهُ ما اسْتَوْفَى مالَ الكِتابةِ. وهذا قولُ أصْحابِ الشافعىِّ. ولم يَذْكُرْه أصحابُنا، وهو حَسَنٌ؛ لأَنَّه [يَحْتَمِلُ أَنَّهُ] (١٩) اسْتَوْفاهُ، والمَجْنُونُ لا يُعْبِّرُ عن نَفسِه فيَدَّعِيه، فيقومُ الحاكمُ مَقامَه فى اسْتِحْلافِه عليه.

فصل: وقَتْلُ المُكاتَبِ كمَوْتِه، فى انْفِساخِ الكِتابةِ، على ما أسْلَفْنا من الخِلافِ، سواءٌ كان القاتلُ السَّيِّدَ أو الأجْنَبِىَّ. ولا قِصاصَ على قاتِلِه الحُرِّ؛ لأنَّ المُكاتَبَ عَبْدٌ ما بَقِىَ عليه دِرْهَمٌ. فإِنَّ كان القاتلُ سَيِّدَه ولم يُخَلِّفْ وَفاءً، انْفَسَخَتِ الكِتابةُ، وعاد ما فى يَدِه إلى سَيِّدِه، ولم يَجِبْ عليه شىءٌ؛ لأَنَّه لو وَجَبَ لوَجَبَ له. فإِن قيل: فالقاتِلُ لا يَسْتَحِقُّ بالقَتْلِ شيئًا مِن تَركَةِ المَقْتولِ. قُلْنا: ههنا لا يَرْجِعُ إليه مالُ المُكاتَبِ مِيراثًا، بل بِحُكْم مِلْكِه عليه، لزَوَالِ الكِتابةِ، وإنَّما يُمْنَعُ القاتلُ المِيراثَ خاصَّةً، ألا تَرَى أَنَّ مَنْ له دَيْنٌ مُؤَجَّل، إذا قَتَلَ مَنْ عليه الحَقُّ، حَلَّ دَيْنُه، فى (٢٠) رِوَايةٍ، وأُمَّ الوَلَدِ إذا قَتَلَتْ سَيِّدَها


(١٧) سقط من: م.
(١٨) فى الأصل: "الباطل". تحريف.
(١٩) سقط من: م.
(٢٠) فى ب، م: "وفى".

<<  <  ج: ص:  >  >>