للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، لَمْ يُكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ)

الكلامُ في هذه المسألة في فصلين:

أحدُهما: أنَّه إذا شَهِدَ عليه بالرِّدَّةِ من تَثْبُتُ الرِّدَّةُ بشهادتِه، فأنْكَرَ، لم يُقْبَلْ إنْكارُه، واسْتُتِيبَ، فإن تابَ، وإلَّا قُتِلَ. وحُكِىَ عن بعضِ أصْحابِ أبى حنيفةَ، أنَّ إنْكارَه يَكْفِى في الرُّجوعِ إلى الإِسلامِ، ولا يَلْزَمُه النُّطْقُ بالشهادةِ؛ لأنَّه لو أقرَّ بالكفرِ ثم أنْكَرَه، قُبِلَ منه، ولم يُكَلَّفِ الشَّهادتَيْن، كذا ههُنا. ولَنا، ما رَوَى الأثْرَمُ، بإسْنادِه عن عليٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه أُتِىَ برجلٍ عربىٍّ قد تنصَّرَ، فاسْتتابَه، فأبَى أن يَتُوبَ، فقتلَه، وأُتِىَ بِرَهْطٍ يُصلُّونَ وهم زَنادِقَةٌ، وقد قامتْ عليهم بذلك الشُّهودُ العُدُولُ، فجَحدُوا، وقالوا: ليس لنا دِينٌ إلَّا الإِسلامُ (١). فقَتلَهم، ولم يسْتَتِبْهم، ثم قال: أتَدْرُون لم اسْتَتَبْتُ النَّصْرَانِىَّ؟ اسْتَتَبْتُه؛ لأنَّه أظْهرَ دِينَه، فأمَّا الزَّنادِقَةُ الذين قامتْ عليهم البَيِّنَّةُ، فإنَّما قتَلْتُهم لأنَّهم جحَدُوا، وقد قامتْ عليهم البَيِّنَةُ (٢). ولأنَّه قد ثَبَتَ كفرُه، فلم يُحْكَمْ بإسلامِه بدونِ الشَّهادَتَيْنِ، كالكافرِ الأصْلِىِّ، ولأنَّ إنكارَه تكذيبٌ للبيِّنَةِ، فلم تُسْمَعْ، كسائرِ الدَّعَاوَى. فأمَّا إذا أقَرَّ بالكُفْرِ ثم أنكرَ، فيَحْتَمِلُ أن نقولَ فيه كمسْألتِنا، وإن سلَّمْنَا، فالفرقُ بينهما أنَّ الحدَّ وجبَ بقولِه، فقُبِلَ رُجُوعُه عنه، وما ثَبَتَ بالبيِّنَةِ لم يَثْبُتْ بقولِه، فلا يُقْبَلُ رجوعُه عنه، كالزِّنَى، لو ثَبَتَ بقولِه فرجَعَ، كُفَّ عنه، وإن ثَبَتَ ببيِّنَةٍ، لم يُقْبَلْ رُجوعُه.

فصل: وتُقْبَلُ الشَّهادةُ على الرِّدَّةِ من عَدْلَيْن، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. وبه يقولُ مالِكٌ، والأوْزَاعِىُّ، والشافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: ولا نعلمُ أحدًا خالفَهُم، إلَّا الحسنَ، قال: لا يُقْبَلُ في القتلِ إلَّا أربعةٌ؛ لأنَّها شَهَادَةٌ بما يُوجِبُ القتلَ، فلمْ يُقْبَلْ فيها إلَّا أربعةٌ، قياسًا على الزِّنَى. ولَنا، أنَّها شهادةٌ في غيرِ الزِّنَى، فقُبِلَتْ من


(١) في ب: "سلام". وفي م: "إسلام".
(٢) لم نجد هذه القصة عن على فيما بين أيدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>