للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومٍ من كَفَّارةٍ، فلم يُجْزِئْه الدَّفْعُ إليه ثانيا فى يَوْمِه، كما لو دَفَعَهُما (١) إليه مِن كَفَّارةٍ واحدةٍ. فعلى هذه الرِّواية، يُجْزِئُه عن إحْدَى الكَفّارَتَيْنِ. وهل له الرُّجُوعُ فى الأُخْرَى؟ يُنْظَر؛ فإن (٢) كان أعْلَمَه أنَّها عن كَفَّارةٍ، فله الرُّجُوعُ، وإلَّا فلا. ويَتَخَرَّجُ أَنْ لا يَرْجِعَ بشىءٍ، على ما ذكرْناه فى الزَّكاةِ. والرِّوايةُ الأُولى أقْيَسُ وأصَحُّ، فإنَّ اعتبارَ عَدَدِ المساكينِ، أوْلَى مِن اعتبارِ عددِ الأيَّامِ، ولو دَفَع إليه ذلك فى يَوْمينِ أجْزَأ، ولأنَّه لو كان الدَّافِعُ اثْنَينِ، أجْزَأ عنهما، فكذلك إذا كان الدَّافِعُ واحدًا. ولو دَفَع سِتِّين مُدًّا إلى ثلاثين فقيرًا مِن كفَّارةٍ واحدةٍ، أجْزَأه مِن ذلك ثلاثون، ويُطْعِمُ ثلاثين آخَرِينَ، وإِنْ دَفَعَ السِّتِّينَ مِن كَفَّارَتَيْنِ. أجْزَأه ذلك، على إحْدَى الرِّوايَتَيْنِ، ولا يُجْزِئُ فى الأُخْرى [إلَّا عن] (٣) ثلاثين. والأمرُ الثَّانى، أَنَّ المُجْزِئُ فى الإِطْعامِ ما يُجْزِئُ فى الفِطْرَةِ، وهو البُرُّ، والشَّعِير، والتَّمْر، والزَّبِيب، سواءٌ كانت قوتَهُ أو لم تَكُنْ، وما عَداها. فقال القاضى: لا يُجْزِئُ إخراجُه، سَواءٌ كان قُوتَ بَلَدِه أو لم يَكُنْ؛ لأنَّ الخَبَرَ وَرَدَ بإِخْراجِ هذه الأصْنافِ، على ما جاء فى الأحاديثِ التى رَوَيناها، ولأنَّه الجنسُ المُخْرَجُ فى الفِطْرةِ، فلم يُجزِئُ غيرُه، كما لو لم يَكُنْ قُوتَ بَلَدِه. وقال أبو الخَطّابِ: عندى أنَّه يُجْزئُه الإِخْراجُ مِن جميعِ الحبوبِ التى هى قُوتُ بَلَدِه، كالذُّرَةِ، والدُّخْنِ، والأَرُزِّ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (٤). وهذا ممَّا يُطْعِمُه أهلَه، فوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَه بظاهِير النَّصِّ. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ. فإنْ أخْرَجَ غيرَ قُوتِ بَلَدِه، أجْوَدَ منه، فقد زادَ خيرًا، وإِنْ كان أنْقَصَ، لم يُجْزِئْه، وهذا أجْوَدُ.

فصل: والأفضلُ عند أبى عبد اللَّه، إخراجُ الحَبِّ؛ لأنَّه يَخْرُجُ به مِن الخِلافِ، وهى حَالَةُ كَمَالِه؛ لأنَّه يُدَّخَرُ فيها، ويَتَهَيَّأُ لمنافعِه كُلِّها، بخِلافِ غيرِه. فإنْ أخْرَجَ


(١) فى الأصل: "دفعها".
(٢) فى م: "فإذا".
(٣) فى أ، ب، م: "عن إلا".
(٤) سورة المائدة ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>