للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَنَافِعِ، وإنَّما يَنْهَى عن المَضَارِّ والمَفَاسِدِ، فيَدُلُّ ذلك على غَلَطِ الرَّاوِى في النَّهْىِ عنه، وحُصُولِ المنْفَعَةِ فيما ظَنَّه مَنْهِيًّا عنه إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ حُكْمَ المُزَارَعةِ حُكْمُ المُسَاقاةِ، في أنَّها إنَّما تجوزُ بِجُزْءٍ للعامِلِ من الزَّرْعِ، وفى جَوَازِها، ولُزُومِها، وما يَلْزَمُ العامِلَ ورَبَّ الأرْضِ، وغير ذلك من أحْكَامِها.

فصل: وإذا كان في الأرْضِ شَجَرٌ، وبينه بَيَاضُ أرْضٍ، فسَاقاهُ على الشَّجَرِ، وزَارَعَةُ الأرْضَ التي بين الشَّجَرِ، جازَ، سواءٌ قَلَّ بَيَاضُ الأرْضِ أو كَثُرَ، نَصَّ عليه أحمدُ، وقال: قد دَفَعَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيْبَرَ على هذا. وبهذا قال كلُّ مَن أجَازَ المُزَارَعةَ في الأرْضِ المُفْرَدَةِ. فإذا قال: سَاقَيْتُكَ على الشَّجَرِ، وزَارَعْتُكَ على الأرْضِ بالنِّصْفِ. جازَ. وإن قال: عَامَلْتُكَ على الأرْضِ والشَّجَرِ على النِّصْفِ. جازَ؛ لأنَّ المُعَاملَةَ تَشْمَلُهُما. وإن قال: زَارَعْتُكَ على (٣١) الأرْضِ بالنِّصْفِ، وساقَيْتُكَ على الشَّجَرِ بالرُّبْعِ. جازَ. كما يجوزُ أن يُسَاقِيَهُ على أنْواعٍ من الشّجَرِ، ويَجْعَلَ له في (٣٢) كل نَوْعٍ قَدْرًا. وإن قال: ساقَيْتُكَ على الأرْضِ والشَّجَرِ بالنِّصْفِ. جازَ؛ لأنَّ المُزَارَعةَ مُسَاقاةٌ [من حيثُ إنَّها تَحْتاجُ إلى السَّقْىِ فيها، لحاجَةِ الشَّجَرِ إليه. وقال أصْحابُ الشّافِعِىِّ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المُسَاقاةَ] (٣٣) لا تَتَناوَلُ الأرْضَ، وتَصِحُّ في النَّخْلِ وحدَه. وقِيلَ: يَنْبَنِى على تَفْرِيقِ الصَّفْقةِ. ولَنا، أنَّه عَبَّرَ عَن عَقْدٍ بِلَفظِ عَقْدٍ يُشَارِكُه في المَعْنَى المَشْهُورِ به في الاشْتِقاقِ، فصَحَّ، كما لو عَبَّرَ بَلَفْظِ البَيْعِ في السَّلَمِ، ولأنَّ المَقْصُودَ المَعْنَى، وقد عُلِمَ بِقَرَائِن أحْوالِه. وهكذا إن قال في الأرْضِ البَيْضَاء: ساقَيْتُكَ على هذه الأرْض بنِصْفِ ما يُزْرَعُ فيها. فأمَّا إن قال: ساقَيْتُكَ على الشَّجَرِ بالنِّصْفِ. ولم يَذْكُر الأرْضَ، لم تَدْخُلْ في العَقْدِ، وليس للعامِلِ أن يَزْرَعَ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال مالِكٌ، وأبو يوسفَ: للدَّاخِلِ زَرْعُ البَيَاضِ، فإن تَشَارَطَا أنَّ ذلك بينهما، فهو جائِزٌ، وإن اشْتَرَطَ صاحِبُ


(٣١) سقط من: ب.
(٣٢) في ب: "من".
(٣٣) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>