للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وما ذَكَرْناهُ دَلَّتْ (٢٤) عليه بعضُ الرِّواياتِ، وفَسَّرَهُ الرّاوِى له بما ذَكَرْناه، وليس مَعَهُم سِوَى الجَمْع بين الأحَادِيثِ، والجَمْعُ بينهما بِحَمْلِ بعضِها (٢٥) على ما فَسَّرَهُ راويه به، أَوْلَى من التَّحَكُّمِ بما لا دَلِيلَ عليه. الثالث، أنَّ قولَهم يُفْضِى إلى تَقْيِيدِ كلِّ واحدٍ من الحَدِيثَيْنِ، وما ذَكَرْناه حَمْلٌ لأحَدِهِما وَحْدَه الرَّابع، أنَّ فيما ذَكَرْناه مُوَافَقَةَ عَمَلِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ، وأَهْلِيهِم، وفُقَهاءِ الصَّحَابةِ، وهم أعْلَمُ بحَدِيثِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسُنَّتِه ومَعَانِيها، وهو أَوْلَى من قولِ من خَالَفَهُم. الخامس، أنَّ ما ذَهَبْنا إليه مُجْمَعٌ عليه، فإنَّ أبا جعفرٍ رَوَى ذلك (٢٦) عن كلِّ أهْلِ بَيْتٍ بالمَدِينةِ، وعن الخُلَفاءِ الأَربَعَةِ وأهْلِيهِم، وفُقَهَاءِ الصَّحَابةِ واسْتِمْرَار ذلك (٢٧)، وهذا ممَّا لا يجوزُ خَفَاؤُه، ولم ينكِرْه من الصَّحَابةِ مُنْكِرٌ، فكان إجْماعًا. وما رُوِىَ في مُخَالَفَتِه، فقد بَيَّنَّا فَسَادَه، فيكون هذا إجْماعًا من (٢٨) الصَّحابةِ رَضِىَ اللهُ عنهم، لا يَسُوغُ لأحدٍ خِلَافُه. والقِيَاسُ يَقْتَضِيه، فإن الأرْضَ عَيْنٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ فيها، فجازَتِ المُعَامَلَةُ عليها ببعضِ نَمَائِها، كالأثْمانِ في المُضَارَبةِ، والنَّخْلِ في المُسَاقاةِ، أو نقولُ: أرْض، فجازَتِ المُزَارَعةُ عليها، كالأرْضِ بين النَّخِيلِ. ولأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إلى المُزَارَعةِ؛ لأنَّ أصْحابَ الأرْضِ قد لا يَقْدِرُونَ على زَرْعِها، والعَمَلِ عليها، والأَكَرَةُ يَحْتَاجُونَ إلى الزَّرْعِ. ولا أرْضَ لهم، فاقتَضَتْ حِكْمةُ الشَّرْعِ جَوَازَ المُزَارَعةِ، كما قُلْنا في المُضَارَبةِ والمُسَاقَاةِ، بل الحاجَةُ ههُنا آكَدُ؛ لأنَّ الحاجَةَ إلى الزَّرْعِ آكَدُ (٢٩) منها إلى غيرِه، لكَوْنِه مُقْتَاتًا، ولكَوْنِ الأرْضِ لا يُنْتَفَعُ بها إلَّا بالعَمَلِ عليها، بخِلَافِ المالِ، ويَدُلُّ على ذلك قولُ رَاوِى حَدِيثِهِم: نَهَانَا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أمْرٍ كان لنا نافِعًا (٣٠). والشَّارِعُ لا يَنْهَى عن


(٢٤) في الأصل، م: "دل".
(٢٥) سقط من: ب.
(٢٦) سقط من: الأصل، م.
(٢٧) تقدم في صفحة ٥٢٧.
(٢٨) في ب: "من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن".
(٢٩) في ب: "أكثر".
(٣٠) تقدم تخريجه في صفحة ٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>