للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لظاهِرِ قَوْلِه] (١٣) عليه السَّلَامُ: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّت الصِّيَامَ من اللَّيْلِ" (١٤). ولأنَّه لم يَنْوِ عند ابْتِداءِ العِبَادَةِ، ولا قَريِبًا منها، فلم يَصِحَّ، كما لو نَوَى من اللَّيْلِ صَوْمَ بعدَ غَدٍ.

فصل: وتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لكُلِّ يَوْمٍ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ. وعن أحمدَ أنَّه تُجْزِئُه نِيَّةٌ واحِدَةٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ، إذا نَوَى صَوْمَ جَمِيعِه. وهو (١٥) مذهبُ مالِكٍ، وإسحاقَ؛ لأنَّه نَوَى في زَمَنٍ يَصْلُحُ جِنْسُه لِنِيَّةِ الصَّوْمِ، فجَازَ، كما لو نَوَى كُلَّ يَوْمٍ في لَيْلَتِه. ولَنا، أنَّه صَوْمٌ واجِبٌ، فوَجَبَ أن يَنْوِىَ كُلَّ يَوْمٍ من لَيْلَتِه، كالقَضاءِ. ولأنَّ هذه الأَيَّامَ عِبَادَاتٌ لا يَفْسُدُ بَعْضُها بِفَسَادِ بَعْضٍ، ويَتَخَلَّلُها ما يُنَافِيها، فأشْبَهَتِ القَضاءَ، وبهذا فَارَقَتِ اليَوْمَ الأَوَّلَ. وعلى قِياسِ رمضانَ إذا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِه، فيُخَرَّجُ فيه مثلُ ما ذَكَرْنَاهُ في رمضانَ.

فصل: ومَعْنَى النِّيَّة القَصْدُ، وهو اعْتِقَادُ القَلْبِ فِعْلَ شىءٍ، وعَزْمُهُ عليه، من غيرِ تَرَدُّدٍ، فمَتَى خَطَرَ بِقَلْبِه في اللَّيْلِ أنَّ غدًا مِن رمضانَ، وأنَّه صائِمٌ فيه، فقد نَوَى. وإن شَكَّ في أنَّه مِن رمضانَ ولم يَكُنْ له أَصْلٌ يَبْنِى عليه، مثل أن يكونَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ من شعبانَ، ولم يَحُلْ دُونَ مَطْلَعِ الهِلَالِ غَيْمٌ ولا قَتَرٌ، فَعَزَمَ أن يَصُومَ غَدًا من رمضانَ، لم تَصِحّ النِّيَّةُ، ولا يُجْزِئُه صِيامُ ذلك اليَوْمِ، لأنَّ النِّيَّةَ قَصْدٌ يَتْبَعُ العِلْمَ، وما لا يَعْلَمُه ولا دَلِيلَ على وُجُودِه ولا هو على ثقَةٍ من اعْتِقَادهِ لا يَصِحُّ قَصْدُه. وبهذا قال حَمَّادٌ، ورَبيعَةُ، ومالِكٌ، وابنُ أبى لَيْلَى، والحسنُ بن صالِحٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال الثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ: يَصِحُّ إذا نَوَاهُ من اللَّيلِ؛ لأنَّه نَوَى الصِّيَامَ من اللَّيْلِ، فصَحَّ كاليَوْمِ الثانى، وعن الشَّافِعِيِّ كالمَذْهَبَيْنِ. ولنَا، أنَّه لم


(١٣) في م: "ظاهر لقوله".
(١٤) تقدم تخريجه في صفحة ٣٣٤
(١٥) في م: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>