للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينةِ. وذُكِرَ عن أُبَىّ بن كَعْبٍ، لما رَوَى أبو سَلَمةَ بن عبدِ الرحمن، أَنَّ أباه طَلَّق أمَّه وهو مريضٌ، فمات، فوَرِثَتْه بعدَ انْقِضاءِ العِدَّة. ولأنَّ سببَ تَوْرِيثِها فِرَارُه من مِيراثِها، وهذا المعنَى لا يزولُ بانْقِضاءِ العِدَّة. ورُوِىَ عن أحمدَ ما يدلُّ على أنَّها لا تَرِثُ بعدَ العِدَّةِ، فإنَّه قال، فى رِوايِة الأثْرم: يَلْزَمُ مَنْ قال: له أن يتزوَّجَ أرْبعًا قبلَ انقضاءِ عِدَّةِ مُطَلَّقاتِه. أنَّه لو طَلَّق أربعَ نِسْوةٍ فى مَرَضِه، ثم تزوجَ أربعًا، ثم مات من مَرَضِه ذلك، أَنَّ الثمانِىَ يَرِثْنَه كُلَّهُنَّ، فيكون مُسْلِمًا (٥٩) يَرِثُه ثمانِ نِسْوةٍ. وهذا [إنْكارٌ لِقَوْلٍ] (٦٠) يَلْزَمُ منه تَوْرِيثُ ثمانٍ، وتَوْرِيثُها بعدَ العِدَّةِ يَلْزَمُ منه ذلك، ولأنَّه قال فى المُطَلَّقةِ قبلَ الدُّخُولِ: لا تَرِثُ؛ لأنَّها لا عِدَّةَ لها. وهذه كذلك فلا تَرِثُ. وهذا قولُ عُرْوَةَ، وأبى حنيفةَ وأصحابِه، وقولُ الشافِعىِّ القديمُ؛ لأنَّها تُباحُ لزَوْجٍ آخرَ، فلم تَرِثْه، كما لو كان فى الصحةِ، ولأنَّ تَوْرِيثَها بعَد العِدَّةِ يُفْضِى إلى توريثِ أكثرَ من أربعِ نِسْوَةٍ، فلم يَجُزْ ذلك، كما لو تَزَوَّجتْ، وإن تزوَّجتِ المَبْتوتةُ لم تَرِثْه، سواءٌ كانت فى الزَّوْجِيَّةِ، أو بانتْ من الزَّوْجِ الثانى. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ. وقال مالكٌ فى أهلِ المدينةِ: تَرِثُه؛ لما ذَكَرْنا للرِّوايةِ الأُولَى، ولأنَّها شخصٌ يَرِثُ مع انْتفاءِ الزَّوْجِيَّةِ، فوَرِثَ معها، كسائرِ الوارِثينَ. ولَنا، أَنَّ هذه وارثةٌ من زَوْجٍ، فلا تَرِثُ زَوْجًا سِوَاهُ، كسائرِ الزَّوْجاتِ، ولأنَّ التَّوْرِيثَ (٦١) من حُكْمِ النِّكاحِ، فلا يجوزُ اجْتماعُه مع نكاحٍ آخرَ، كالعِدّةِ، ولأنَّها فَعَلَتْ باخْتيارِها ما يُنافِى نِكاحَ الأَوَّلِ لها، فأشْبَهَ ما لو كان فَسخُ النِّكاحِ من قِبَلِها.

فصل: ولو صحَّ من مَرَضِه ذلك، ثم مات بعدَه، لم تَرِثْهُ، فى قول الجمهورِ. ورُوِىَ عن النَّخَعِىِّ، والشعبىِّ، والثَّوْرىِّ، وزُفَرَ، أنَّها تَرِثُه؛ لأنَّه طلاقُ مَرَضٍ قُصِدَ به الْفرارُ من الميراثِ، فلم يَمْنَعْه، كما لو لم يَصِحَّ. ولَنا، أَنَّ هذه بائنٌ بطَلاقٍ فى غير مَرَضِ


(٥٩) فى أ: "مسلم".
(٦٠) فى م: "القول".
(٦١) فى م: "التوارث".

<<  <  ج: ص:  >  >>