للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَرُّفاتِهِم فى الحَرامِ، ففيه تَنْفِيرُهُم عن الإِسْلامِ، فعُفِى عنه، كما عُفِىَ عمَّا تَرَكُوه من الفَرَائض والواجباتِ، ولأنَّهما تَقابَضا بحُكْمِ الشِّرْكِ، فبَرِئَتْ ذِمَّةُ مَنْ هو عليه منه، كما لو تَبايعا بَيْعًا فاسِدًا وَتَقابَضا. وإن لم يتَقابضَا، فإن كان المُسَمَّى حلالًا، وَجَبَ ما سَمَّياه؛ لأنَّه مُسَمًّى، صحيحٌ فى نِكاحٍ صحيحٍ، فوَجَبَ، كتَسْمِيَةِ المُسْلمِ، وإن كان حَرامًا، كالخَمْرِ والخِنْزِيرِ، بَطَلَ، ولم يُحْكَمْ به؛ لأنَّ ما سَمَّياه لا يجوزُ إيجابُه فى الحُكْمِ، ولا يجوزُ أن يكونَ صَداقًا لمُسلمةٍ، ولا فى نِكاحِ مُسْلمٍ، ويجبُ مَهْرُ المِثْلِ إن كان بعدَ الدُّخولِ، ونِصْفُه إن وقَعتِ الفُرْقةُ قبلَ الدُّخولِ. وهذا معنى قولِه: حيثُ أوْجَبَ ذلك. وبهذا قال الشافعىُّ وأبو يوسفَ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان أصْدَقَها (٥) خَمْرًا أو خِنْزِيرًا مُعَيَّنَيْنِ، فليس لها إلَّا ذلك، وإن كانَا غيرَ مُعَيَّنَيْنِ، فلها فى الخَمْرِ القيمةُ، وفى الخِنْزيرِ مَهْرُ المِثْلِ، اسْتِحْسانًا. ولَنا، أَنَّ الخمرَ لا قيمةَ لها فى الإِسلامِ، فكان الواجبُ مَهْرَ المِثْلِ، كما لو أصْدَقها خِنْزِيرًا، ولأنَّه مُحَرَّم، فأشْبَهَ ما ذكرَنا.

فصل: وإن قَبَضَتْ بعضَ الحرامِ دُونَ بعضِ، سَقَطَ من المَهْرِ بقَدْرِ ما قُبِضٍ، ووَجَبَ بحِصَّةِ ما بَقِىَ من مَهْرِ المِثْلِ، فإن كان الصَّداقُ عَشرةَ زِقَاقِ خَمْرٍ مُتَساوِيةً، فقَبَضَتْ (٦) خَمْسًا منها، سَقَطَ نِصْفُ المَهْرِ، ووَجَبَ لها نِصْفُ مَهْرِ المِثْلِ، وإن كانت مختلفةً، اعْتُبِرَ ذلك بالكَيْلِ، فى أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه إذا وَجَبَ اعْتِبارُه، اعْتُبِرَ بالكَيْلِ فيما له مِثْلٌ يتأَتَّى الكيلُ فيه. والثانى، يُقَسَّمُ على عَدَدِها؛ لأنَّه لا قِيمةَ لها، فاسْتَوَى صغيرُها كبيرُها. وإن أصْدَقَها عشرةَ خنازِيرَ، ففيه الوَجْهان؛ أحدهما، يُقَسَّمُ على عددِها، لما ذكرنا، والثانى، يُعْتَبرُ قِيمَتُها كأنَّها (٧) ممَّا يجوزُ بَيْعُه، كما تُقَوَّمُ شِجَاجُ الحُرِّ كأنَّه عَبْدٌ. وإن أصْدَقها كَلْبًا وخِنْزِيرَيْن (٨) وثلاثةَ زِقاقِ خَمْرٍ، ففيه ثلاثةُ


(٥) فى الأصل، م: "صداقها".
(٦) فى أ، م: "فقبلت".
(٧) فى الأصل: "كأنه".
(٨) فى م: "وخنزيرا".

<<  <  ج: ص:  >  >>