بقَذْفِ صاحبِه خمسةٌ؛ العقلُ، والحُرِّيَّةُ، والإِسلامُ، والعِفَّةُ عن الزِّنَى، وأن يكونَ كبيرًا يُجِامِعُ مِثْلُه. وبه يقولُ جاعةُ العلماءِ قديمًا وحديثًا، سِوَى ما رُوِىَ عن داودَ، أنَّه أوْجَبَ الحَدَّ على قاذفِ العبدِ. وعن ابن المسيَّبِ، وابن أبي ليلى، قالوا: إذا قَذَفَ ذِمِّيَّةً، ولها ولدٌ مسلمٌ، يُحَدُّ. والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ مَنْ لا يُحَدُّ قاذفُه إذا لم يكُنْ له ولدٌ، لا يُحَدُّ ولَه ولدٌ، كالمجنونةِ. واخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، في اشْتِراطِ البُلوغِ، فرُوِىَ عنه، أنَّه شَرْطٌ. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّه أحَدُ شَرْطَىِ التَّكْلِيفِ، فأشْبَهَ العقلَ، ولأنَّ زِنَى الصَّبِىِّ لا يُوجِبُ حدًّا، فلا يجبُ الحَدُّ بالقَذْفِ به، كزِنَى المجنونِ. والثانية، لا يُشْتَرطُ؛ لأنَّه حُرٌّ عاقِلٌ عفيفٌ يتعيَّرُ بهذا القولِ المُمْكنِ صِدْقُه، فأشْبَهَ الكبيرَ. وهذا قولُ مالِكٍ، وإسحاقَ. فعلى هذه الرِّوايةِ، لا بُدَّ أن يكونَ كبيرًا يُجامِعُ مثلُه، وأدْناه أن يكونَ للغلامِ عشرٌ، وللجاريةِ تِسْعٌ.
فصل: ويجبُ الحَدُّ على قاذفِ الخَصِىِّ، والمجبُوبِ، والمريضِ المُدْنَفِ، والرَّتْقَاءِ، والقَرْناءِ. وقال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْيِ: لا حَدَّ على قاذِفِ مَجْبُوبٍ. قال ابن المُنْذِرِ: وكذلك الرَّتْقَاءُ. وقال الحسنُ: لا حَدَّ على قاذفِ الْخَصِىِّ؛ لأنَّ العارَ مُنْتَفٍ عن المَقْذوفِ بِدُونِ الحَدِّ، للعِلْمِ بكَذِبِ القاذفِ، والحَدُّ إنَّما يجبُ لنَفْىِ العارِ. ولَنا، عمومُ قولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. والرَّتْقاءُ داخِلَةٌ في عُمومِ هذا، ولأنَّه قاذِفٌ لِمُحْصَنٍ، فيَلْزَمُه الحَدُّ، كقاذِفِ القادرِ على الوَطْءِ، ولأنَّ إمْكانَ الوَطْءِ أمرٌ خَفِىٌّ، لا يعلمُه كثيرٌ من النَّاسِ، فلا ينْتَفِى العارُ عندَ مَنْ لم يعْلَمْه بدُونِ الحَدِّ، فيجبُ، كقَذْفِ المريضِ.
فصل: ويجبُ الحَدُّ على القاذفِ في غيرِ دارِ الإِسلامِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أصحابُ الرَّأْىِ: لا حَدَّ عليه؛ لأنَّه في دارٍ لا حَدَّ على أهلِها. ولَنا، عُمومُ [قولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ}] (١٠). الآية. ولأنَّه مُسْلِمٌ مكلَّفٌ، قذفَ مُحْصَنًا،