للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَنا، أن المَعْرُوفَ في كَلامِ الناسِ أنَّه النِّساءُ، فلا يُحْمَلُ لَفْظُ المُوصِى إلَّا عليه، ولأنَّ الأَرَامِلَ جَمْعُ أَرْمَلةٍ، فلا يكونُ جَمْعًا لِلمُذَكَّرِ؛ لأنَّ ما يَخْتَلِفُ لَفْظُ الذَّكَرِ والأُنْثَى في واحدِهِ (٢٣) يَخْتَلِفُ في جَمْعِه، وقد أنْكَرَ ابنُ الأَنْبارِىِّ على قائِلِ القَوْلِ الآخَرِ، وخَطَّأَهُ فيه، والشِّعْرُ الذي احْتَجَّ به حُجَّةٌ عليه، فإنَّه لو كان لَفْظُ الأَرَامِلِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ والأُنْثَى، لَقال: "حاجَتَهُم" إذ لا خِلَافَ بين أهْلِ اللِّسانِ في أنَّ اللَّفْظَ متى كان للذَّكَرِ (٢٤) والأُنْثَى، ثم رُدَّ عليه ضَمِيرٌ، غُلِّبَ فيه لَفْظُ التَّذْكِيرِ وضَمِيرُه، فلما رُدَّ الضَّمِيرُ على الإِنَاثِ، عُلِمَ أنَّه مَوْضُوعٌ لهنَّ على الانْفِرَادِ، وسَمَّى نَفْسَه أَرْمَلًا تَجَوُّزًا وتَشْبِيهًا بهِنَّ، ولذلك وَصَفَ نَفْسَه بأنَّه ذَكَرٌ، ويَدُلُّ على إرَادَةِ المَجازِ أنَّ اللَّفْظَ عند إطْلاقِه لا يُفْهَمُ منه إلَّا النِّسَاءُ، ولا يُسَمَّى به في العرفِ غَيْرُهُنَّ، وهذا دَلِيلٌ على أنَّه لم يُوضَعْ لِغَيْرِهِنَّ، ثم لو ثَبَتَ أنَّه في الحَقِيقَةِ لِلرِّجالِ والنِّساءِ لَكان قد خَصَّ به أهْلُ العُرْفِ النِّساءَ، وهُجِرَتْ به (٢٥) الحَقِيقةُ حتى صارَت مَغْمُورةً، لا تُفْهَمُ من لَفْظِ المُتَكَلِّمِ، ولا يَتَعَلَّقُ بها حُكْمٌ كسائِرِ الأَلْفَاظِ العُرْفِيّةِ.

فصل: فأما لَفْظُ (٢٦) الأَيَامَى، فهو كالأَرامِلِ، [إلَّا أنَّه] (٢٧) لكلِّ امْرَأَةٍ لا زَوْجَ لها، قال اللَّه تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (٢٨). وفى بعضِ الحَدِيثِ: "أعُوذُ بِاللهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ" (٢٩). وقال أصْحابُنا: هو للرِّجالِ والنِّساءِ الذين لا أزْواجَ لهم، لما رُوِىَ عن سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ قال: آمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عمَرَ من زَوْجِهَا، وآمَ عثمانُ من رُقَيَّةَ. وقال الشاعِرُ (٣٠):


(٢٣) في م: "واحد".
(٢٤) في م: "الذكر".
(٢٥) سقط من: الأصل.
(٢٦) في م: "لفظه".
(٢٧) في م: "لأنه".
(٢٨) سورة النور ٣٢.
(٢٩) انظر: النهاية في غريب الحديث ١/ ١٦١.
(٣٠) البيت في اللسان والتاج (أى م).

<<  <  ج: ص:  >  >>