"المُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"(٨). ولأنَّ المُتَعَاقِدَيْنِ يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فى هذا العَقْدِ بالإقَالَةِ والإمْضَاءِ، فمَلَكَا الزِّيادَةَ فيه، كخِيَارِ المَجْلِسِ. وقال أبو حنيفةَ فى القَرْضِ وبَدَلِ المُتْلَفِ كقَوْلِنَا، وفى ثَمَنِ المَبِيعِ والأُجْرَةِ والصَّدَاقِ وعِوَضِ الخُلْعِ كقَوْلِهِمَا؛ لأنَّ الأَجَلَ يَقْتَضِى جُزْءًا من العِوَضِ، والقَرْضُ لا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ والنَّقْصَ فى عِوَضِه، وبَدَلُ المُتْلَفِ الوَاجِبِ فيه المِثْلُ من غير زِيَادَةٍ ولا نَقْصٍ؛ فلذلك لم يَتَأَجَّلْ، وبَقِيَّةُ الأعْواضِ يجوزُ الزِّيادَةُ فيها، فجَازَ تَأَجِيلُها. ولَنا، أنَّ الحَقَّ يَثْبُتُ حَالًّا، والتَّأَجِيلُ تَبَرُّعٌ منه وَوَعْدٌ، فلا يَلْزَمُ الوَفاءُ به، كما لو أعَارَه شيئا، وهذا لا يَقَعُ عليه اسْمُ الشَّرْطِ ولو سُمِّىَ، فالخَبَرُ مَخْصُوصٌ بالعَارِيَّةِ فيَلْحَقُ به ممَّا اخْتَلَفَا فيه؛ لأنَّه مِثْلُه. ولَنا, على أبى حَنِيفَةَ أنَّها زِيَادَةٌ وبعد اسْتِقْرَارِ العَقْدِ, فأَشْبَه القَرْضَ، وأمَّا الإقَالَةُ: فهى فَسْخٌ وابْتِدَاءُ عَقْدٍ آخَرَ، بِخِلَافِ مَسْألَتِنَا، وأمَّا خِيَارُ المَجْلِسِ، فهو بمَنْزِلَةِ ابْتِداءِ العَقْدِ، بِدَلِيلِ أنه يُجْزِىءُ فيه القَبْضُ لما يُشْتَرَطُ قَبْضُه، والتَّعَيُّن لما فى الذِّمَّةِ.
فصل: ويجوزُ قَرْضُ المَكِيلِ والمَوْزُونِ بغير خِلَافٍ. قال ابن المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أن اسْتِقْرَاضَ مَالَهُ مِثْلٌ من المَكِيلِ والمَوْزُونِ والأَطْعِمَةِ جَائِزٌ. ويَجُوزُ قَرْضُ كلِّ ما يَثْبُتُ فى الذِّمَّةِ سَلَمًا، سِوَى بَنِى آدَمَ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ قَرْضُ غير المَكِيلِ والمَوْزُونِ، لأنَّه لا مِثْلَ له، أشْبَهَ الجَوَاهِرَ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَسْلَفَ بَكْرًا، وليس بمَكِيلٍ ولا مَوْزُونٍ. ولأنَّ ما يَثْبُتُ سَلَمًا، يُمْلَكُ بالبَيْعِ ويُضْبَطُ بالوَصْفِ، فجَازَ قَرْضُه، كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ. وقولُهم: لا مِثْلَ له. خِلَافُ أصْلِهِم، فإنَّ عندَ أبى حنيفةَ، لو أَتْلَفَ على رَجُلٍ ثَوبًا، ثَبَتَ فى ذِمَّتِه مِثْلُه، ويجوزُ الصُّلْحُ عنه بأَكْثَرَ من قِيمَتِه. فأما ما لا يَثْبُتُ فى الذِّمَّةِ سَلَما، كالجَوَاهِرِ وشبهها، فقال القاضى: يجُوزُ قَرْضُها،