للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (١٩). والأمرُ يقتضى الوجُوبَ على الفَوْرِ، ولأنَّ دُخُولَ الوقتِ سببٌ للوجوبِ، فيترتَّبُ عليه حُكْمُهُ حين وجودِه، ولأنها يُشْتَرَطُ لها نِيَّةُ الفَريضةِ، ولو لم [تكنْ واجبةً] (٢٠) لَصَحَّتْ بدُون نِيَّة الواجبِ كالنَّافِلةِ، وتُفَارِقُ النَّافِلةَ؛ فإنَّها لا يُشْتَرَطُ لها ذلك، ويَجُوزُ ترْكُهَا غيرَ عازِمٍ على فِعْلِها، وهذه إنَّما يَجُوزُ تَأْخِيرُها مع العَزْمِ على فِعْلِها، كما تُؤَخَّرُ صلاةُ المَغْرِبِ ليلةَ مُزدَلِفَةَ عن وقْتِها، وكما تُؤَخَّرُ سائرُ الصَّلَوَاتِ عن وقتِها إذا كان مُشْتَغِلًا بِتَحْصِيلِ شَرْطِها.

فصل: ويَسْتَقِرُّ وُجُوبُها بما وجبتْ به. فلو أدركَ جُزْءًا من أوَّل وقتها ثم جُنَّ، أو حاضتِ المرأةُ، [لَزِمَها القَضَاءُ إذا أمْكنَها] (٢١). وقال الشَّافِعِىُّ وإسْحاق: لا يَسْتَقِرُّ إلَّا بِمُضِىِّ زمنٍ يُمْكِنُ فِعْلُها فيه، ولا يجِبُ القضاءُ بما دون ذلك. واخْتارهُ أبو عبد اللهِ ابن بَطَّة؛ لأنه لم يُدْرِكْ منَ الوقتِ ما يُمْكِنُهُ أن يُصَلِّىَ فيه، فلم يَجب القَضَاء، كما لو طرأ العُذْرُ قبل دُخولِ (٢٢) الوقت. ولَنا، أنها صلاةٌ وَجَبَتْ عليه، فوجبَ قضاؤْها إذا فاتَتْهُ، كالتِى أمكن أداؤُها، وفارقت التي طرأ العُذْرُ قبلَ دخولِ وقتِها؛ فإنها لم تَجِبْ، وقياسُ الواجب على غيرِه غيرُ صحيحٍ.

١١٠ - مسألة؛ قال: (فإذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ فَهُوَ آخِرُ وَقْتِهَا)

يعني أنَّ الفَىْءَ إذا زاد على ما زالتْ عليهِ الشَّمْسُ قَدْرَ ظِلِّ طُولِ الشَّخْصِ، فذلك آخِرُ وقتِ الظُّهْرِ. قال الأثْرَمُ: قِيلَ لأبي عبدِ اللَّه: وأىُّ شيءٍ آخرُ وقتِ الظُّهْرِ؟ قال: أنْ يصيرَ الظِّلُّ مِثْلَه. قِيلَ له: فمتى يكونُ الظِّلُّ مِثْلَهُ؟ قال: إذا زالتِ الشَّمْسُ، فكان الظِّلُّ بعد الزَّوال مِثْلَهُ، فهو ذاك.

ومعرفةُ ذلك أنْ يَضْبطَ ما زالتْ عليه الشَّمْسُ، ثم ينظرَ الزِّيادةَ عليه، فإنْ


(١٩) سورة الإسراء ٧٨.
(٢٠) في م: "تجب".
(٢١) في م: "لزمهما القضاء إذا أمكنهما"، على التثنية. والمجنون لا يلزمه شيء.
(٢٢) في م: "ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>