للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرُه إلَّا بعَقْدٍ، ولا يجوزُ أنْ يَعْقِدَ الوَلِىُّ المُضارَبَةَ مع نَفْسِه، فأمّا إنْ دَفَعَه إلى غيرِهِ، فللمُضارِبِ ما جَعَلَه له الوَلِيُّ، ووافَقَه عليه، أى اتَّفَقا عليه فى قَوْلِهِم جَميعًا؛ لأنَّ الوَصِيَّ نائِبٌ عن اليَتِيمِ فيما فيه مَصْلَحَتُه، وهذا فيه مَصْلَحَتُه، فصارَ تَصَرُّفُه فيه كتَصَرُّفِ المالِكِ فى مالِه.

فصل: ويجوزُ لوَلِيِّ اليَتِيمِ إبضاعُ مالِه. ومعناه؛ دَفْعُه إلى مَن يَتَّجِرُ به، والرِّبْحُ كُلُّه لليَتِيمِ. وقد رُوِىَ عن عائِشَةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، أَنَّها أَبْضَعَتْ مالَ محمدِ بن أبي بَكْرٍ. ولأنَّه إذا جازَ دَفْعُه بجُزْءٍ مِن رِبْحِه، فدَفْعُه إلى مَن يُوَفِّرُ الرِّبْحَ أوْلَى. ويجوزُ أنْ يَشْتَرِىَ له العَقارَ؛ لأنَّه مَصْلَحَةٌ له، فإنَّه يَحْصُلُ (١١) منه الفَضْلُ، ويَبْقَى الأصلُ، والغَرَرُ فيه أقَلُّ مِن التِّجارَةِ؛ لأنَّ أصلَه مَحْفُوظٌ. ويجوزُ أنْ يَبْنِىَ له عَقارًا؛ لأنَّه فى مَعْنَى الشِّراءِ، إلَّا أنْ يَكُونَ الشِّراءُ أحَظَّ، وهو مُمْكِنٌ، فيَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُه. وإذا أرادَ البِناءَ، بناه بما يَرَى الحَظَّ فى البِناءِ به. وقال أصحابُنا: يَبْنِيه بالآجُرِّ والطِّينِ، ولا يَبْنِى باللَّبِنِ؛ لأنَّه إذا هُدِمَ لا مَرْجُوعَ له، ولا بِجِصٍّ؛ لأنَّه يَلْتَصِقُ بالآجُرِّ، فلا يَتَخَلَّصُ منه، فإذا هُدِمَ فَسَدَ الآجُرُّ؛ لأنَّ تَخْلِيصَه منه يُفْضِى إلى كَسْرِه. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ. والذى قلناه أوْلَى، إنْ شاءَ اللهُ تعالى، فإنَّه إذا كان الحَظُّ له فى البِناءِ بغيرِه، فتَرَكَه، ضَيَّعَ حَظَّهُ ومالَه، ولا يجوزُ تَضْيِيعُ الحَظِّ العاجِلِ، وتَحَمُّلُ الضَّرَرِ النّاجِزِ المُتَيَقَّنِ، لتَوَهُّمِ مَصْلَحَةِ بقاءِ الآجُرِّ عِنْدَ هَدْمِ البِناءِ، ولَعلَّ ذلك لا يَكُونُ فى حياتِه، ولا يَحتاجُ إليه، مع أنَّ كثِيرًا مِن البُلْدانِ لا يُوجَدُ فيها الآجُرُّ، وكَثِيرٌ منها لم تَجْرِ عادَتُهم بالبِناءِ به، فلو كُلِّفُوا البِناءَ به، لاحتاجُوا إلى غَرامَةٍ كَثِيرَةٍ، لا يَحْصُلُ منها طائِلٌ. وقولُ أصحابِنا يَخْتَصُّ مَن عادَتُهم البِناءُ بالآجُرِّ، كالعِراقِ ونَحْوِها، فلا يَصِحُّ فى حَقِّ غيرِهم.

فصل: ولا يجوزُ بَيْعُ عَقارِه لغيرِ حاجَةٍ؛ لأنَّنا نَأْمُرُه بالشِّراءِ لما فيه مِن الحَظِّ،


(١١) فى الأصل: "يحتمل".

<<  <  ج: ص:  >  >>