للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونَ بينهما ما يَمْنَعُ الاسْتِطْرَاقَ في أحدِ القَوْلَيْنِ. ولَنا، أنَّ هذا لا تَأَثِيرَ له في المَنْعِ من الاقْتِدَاءِ بالإِمامِ، ولم يَرِدْ فيه نَهْيٌ، ولا هو في مَعْنَى ذلك، فلم يَمْنَعْ صِحَّةَ الائْتِمامِ به، كالفَصْلِ اليَسِيرِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ مَعْنَى اتِّصَالِ الصُّفُوفِ أن لا يكونَ بينهَا (٥) بُعْدٌ لم تَجْرِ العادَةُ به، ولا يَمْنَعُ إمْكانَ الاقْتِدَاءِ. وحُكِىَ عن الشَّافِعِيِّ أنَّه حَدَّ الاتِّصالَ بما دُونَ ثلاثِ مائةِ ذِرَاعٍ. والتَّحْدِيدَاتُ بَابُها التَّوْقِيفُ، والمَرْجِعُ فيها إلى النُّصُوصِ والإِجْماعِ، ولا نَعْلَمُ في هذا نَصًّا نَرْجِعُ إليه ولا إجْمَاعًا نَعْتَمِدُ عليه، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فيه إلى العُرْفِ، كالتَّفَرُّقِ والإِحْرَازِ، واللهُ أعْلمُ.

فصل: فإن كان بين الإِمامِ والمَأْمُومِ حائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الإِمامِ، أو مَنْ وَرَاءَه، فقال ابنُ حامدٍ: فيه رِوَايتانِ؛ إحْدَاهُما، لا يَصِحُّ الائْتِمامُ به. اخْتَارَهُ القاضي؛ لأن عائشةَ قالت لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ في حُجْرَتِها: لا تُصَلِّين بصَلَاةَ الإِمامِ، فإنَّكُنَّ دُونَه في حِجَابٍ. ولأنَّه يُمْكِنُهُ الاقْتِدَاءُ به (٦) في الغَالِبِ. والثانية، يَصِحُّ. قال أحْمدُ في رَجُلٍ يُصَلِّى خارِجَ المسجِدِ يومَ الجمعةِ وأبْوَابُ المَسْجِدِ مُغْلَقَةٌ: أرْجُو أنْ لا يكونَ به بَأْسٌ. وسُئِلَ عن رَجُلٍ يُصَلِّى يومَ الجُمُعَةِ وبينَه وبينَ الإِمَامِ سُتْرَةٌ، قال: إذا لم يَقْدِرْ على غيرِ ذلك. وقال في المِنْبَرِ إذا قَطَعَ الصَّفَّ: لا يَضُرُّ. ولأنَّه أمْكَنَهُ الاقْتِدَاءُ بالإِمامِ، فصَحَّ (٧) اقْتِدَاؤُه به مِن غيرِ مُشاهَدَةٍ، كالأعْمَى، ولأنَّ المُشَاهَدَةَ تُرَادُ لِلْعِلْمِ بحالِ الإِمامِ، والعِلْمُ يَحْصُلُ بِسَماعِ التَّكْبِيرِ، فَجَرَى مَجْرَى الرُّؤْيَةِ، ولا فَرْقَ بين أنْ يكونَ المَأْمُومُ في المَسجدِ أو في غيرِه، واخْتارَ القاضي أنَّه يَصِحُّ إذا كانا في المسجدِ، ولا يَصِحُّ في غيرِه؛ لأنَّ المَسجدَ مَحَلُّ الجماعةِ، وفي مَظِنَّةِ القُرْبِ، ولا يَصِحُّ في غيرِه لِعَدَمِ هذا المَعْنَى، ولِخَبَرِ عائشةَ. ولَنا، أنَّ


(٥) سقط من: أ. وفي م: "بينهما".
(٦) سقط من: أ.
(٧) في أ، م: "فيصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>