للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ارْتَدَدْتُها (٥٠). أو نحو ذلك من الألْفاظِ الدَّالَّةِ على الرُّجُوعِ، ولا يَحْتاجُ إلى حُكْمِ حاكِمٍ. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِقَضَاءِ قاضٍ؛ لأنَّ مِلْكَ المَوْهُوبِ له مُسْتَقِرٌّ. ولَنا، أنَّه خِيَارٌ في فَسْخِ عَقْدٍ، فلم يَفْتَقِرْ إلى قَضَاءٍ، كالفَسْخِ بخِيَارِ الشَّرْطِ. فأمَّا إن أخَذَ ما وَهَبَه لِوَلَدِه، فإن نَوَى به الرُّجُوعَ، كان رُجُوعًا، والقولُ قَوْلُه في نِيَّتِه، وإن لم يُعْلَمْ هل نَوَى الرُّجُوعَ أو لا، وكان ذلك بعدَ مَوْتِ الأبِ، فإن لم تُوجَدْ قَرِينَةٌ تدُلُّ على الرُّجُوعِ، لم يُحْكَم بكَوْنِه رُجُوعًا؛ لأنَّ الأخْذَ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وغيرَه، فلا نُزِيلُ حُكْمًا يَقِينِيًّا (٥١) بأمْرٍ مَشْكُوكٍ فيه. وإن اقْتَرَنَتْ به قَرَائِنُ دالَّةٌ (٥٢) على الرُّجُوعِ فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يكونُ رُجُوعًا. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّنا اكْتَفَيْنَا في العَقْدِ بدَلَالةِ الحالِ، ففى الفَسْخِ أَوْلَى، ولأنَّ لَفْظَ الرُّجُوعِ إنَّما كان رُجُوعًا لِدَلَالَتِه عليه، فكذلك كلُّ ما دَلَّ عليه. والآخَرُ، لا يكون رُجُوعًا. وهو مذهبُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّ المِلْكَ ثابِتٌ لِلْمَوْهُوبِ له يَقِينًا، فلا يَزُولُ إلَّا بالصَّرِيحِ. ويُمْكِنُ أن يُبْنَى هذا على نَفْسِ العَقْدِ، فمَن أوْجَبَ الإِيجَابَ والقَبُولَ فيه، لم يَكْتَفِ ههُنا إلَّا بِلَفْظٍ يَقْتَضِي زَوَالَه، ومن اكْتَفَى في العَقْدِ بالمُعَاطاةِ الدَّالَّةِ على الرِّضَا به، فههُنا أَوْلَى. وإن نَوَى الرُّجُوعَ من غيرِ فِعْلٍ ولا قَوْلٍ، لم يَحْصُلِ الرُّجُوعُ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه إثْباتُ المِلكِ على مالٍ مَمْلُوكٍ لغيرِه، فلم يَحْصُلْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كسائِر العُقُودِ. وإن عَلَّقَ الرُّجُوعَ بِشَرْطٍ، فقال: إذا جاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فقد رَجَعْتُ في الهِبَة. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ الفَسْخَ لِلْعَقْدِ لا يَقَفُ على شَرْطٍ، كما لا يَقِفُ العَقْدُ عليه.

٩٣٥ - مسألة؛ قال: (فَإنْ مَاتَ وَلَمْ يَرْدُدْهُ، فَقَدْ ثَبَتَ لِمَنْ وَهَبَ لَهُ، إذَا كَانَ ذلِكَ فِي صِحَّتِهِ)

يعني إذا فاضَلَ بين وَلَدِه في العَطَايَا، أو خَصَّ بعضَهم بِعَطِيَّةٍ (١)، ثم ماتَ قبل أن


(٥٠) في الأصل: "رددتها".
(٥١) في م: "يقينا".
(٥٢) في م: "دار" خطأ.
(١) في الأصل: "بعطيته".

<<  <  ج: ص:  >  >>