للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَرِدَّه، ثَبَتَ ذلك لِلْمَوْهُوبِ له، ولَزِمَ، وليس لِبَقِيَّةِ الوَرَثَةِ الرُّجُوعُ. هذا المَنْصُوصُ عن أحمدَ، في رِوَايةِ محمدِ بن الحَكَمِ، والمَيْمُونِيِّ، وهو اخْتِيارُ الخَلَّالِ، وصَاحِبِه أبي بكرٍ. وبه قال مالِكٌ، والشافِعِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْى، وأكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ، وفيه رِوَايةٌ أخرى [عن أحمدَ] (٢)، أنَّ لِسَائِر الوَرَثَةِ أنَّ يَرْتَجِعُوا ما وَهَبَه. اخْتَارَه ابنُ بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ العُكْبَرِيَّانِ. وهو قولُ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، وإسحاقَ. وقال أحمدُ: عُرْوَةُ قد رَوَى الأحَادِيثَ الثَّلَاثةَ؛ حَدِيثَ عائِشَةَ، وحَدِيثَ عمرَ، وحَدِيثَ عُثْمانَ (٣)، وتَرَكَها وذَهَبَ إلى حَدِيثِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، يردُّ في حَيَاةِ الرَّجُلِ وبعد مَوْتِه (٤). وهذا قولُ إسحاقَ، إلَّا أنَّه قال: إذا ماتَ الرَّجُلُ فهو مِيَراثٌ بينهم، لا يَسَعُ أنَّ يَنتَفِعَ أحدٌ مما أُعْطِىَ دون إخْوَتِهِ وأَخَواتِه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَمَّى ذلك جَوْرًا بقوله: "لَا تُشْهِدْنِى عَلَى جَوْرٍ". والجَوْرُ حَرَامٌ لا يَحِلُّ لِلْفاعِلِ فِعْلُه، ولا لِلمُعْطَى تَنَاوُلُه. والمَوْتُ لا يُغَيِّرُه عن كَوْنِه جَوْرًا حَرَامًا، فيَجِبُ رَدُّه، ولأنَّ أبا بكرٍ وعُمَرَ أمَرَا قَيْسَ بن سَعْدٍ، أنَّ يَرُدَّ قِسْمَةَ أبِيه حين وُلِدَ له وَلَدٌ، ولم يكُنْ عَلِمَ به، ولا أعْطاهُ شيئًا، وكان ذلك بعد مَوْتِ سَعْدٍ، فرَوَى سَعِيدٌ (٥)، بإسْنادِه من طَرِيقَيْنِ، أن سَعْدَ بن عُبَادَةَ قَسَّمَ مالَه بين أوْلَادِه، وخَرَجَ إلى الشَّامِ، فماتَ بها، ثم وُلِدَ بعدَ ذلك وَلَدٌ فمَشَى أبو بكرٍ وعمرُ، رَضِىَ اللَّه عنهما، إلى قَيْسِ بن سَعْدٍ، فقالا: إن سَعْدًا قَسَّمَ مالَه، ولم يَدْرِ ما يكونُ، وإنَّا نَرَى أنَّ تَرُدَّ هذه القِسْمَةَ. فقال قَيْسٌ: لم أكُنْ لأُغَيِّرَ شيئا صَنَعَهُ سَعْدٌ، ولكن نَصِيبِى له. وهذا مَعْنَى الخَبَرِ. وَوَجْهُ القَوْلِ الأَوّلِ قولُ أبي بكرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، لعائِشَةَ، لمَّا نَحَلَها نَحْلًا: وَدَدْتُ لو أنَّك كنتِ حُزْتِيه (٦). فَدَلَّ على أنَّها


(٢) سقط من: الأصل.
(٣) حديث عائشة تقدم في صفحة ٢٦٣، وحديث عمر تقدم في صفحة ٢٦٢، وحديث عثمان تقدم في صفحة ٢٥٤.
(٤) أي إلى أن معنى حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يرد في حياة الرجل وبعد موته.
(٥) في: باب من قطع ميراثا فرضه اللَّه. السنن ١/ ٩٧.
(٦) تقدم في صفحة ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>