للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". ولم يَقُلْ: فإنْ لم يَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا. ولأنَّه يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ إذا كان على جَنْبِه، ولا يَسْتَقْبِلُها إذا كان على ظَهْرِه، وإنما يَسْتَقْبِلُ السَّمَاءَ، ولذلك يُوضَعُ المَيِّتُ في قَبْرِه على جَنْبِه [قَصْدًا لتوجُّهِه] (٢) إلى القِبْلَةِ. وقَوْلُهم: إن وَجْهَهُ في الإِيمَاءِ يكونُ إلى غَيْرِ القِبْلَةِ. قُلْنا: اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ من الصَّحِيحِ لا يكونُ في حالِ الرُّكُوعِ بوَجْهِه، ولا في حالِ السُّجُودِ، إنَّما يكونُ إلى الأرْضِ، فلا يُعْتَبَرُ في المَرِيضِ (٣) أن يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ فيهما أيضًا. إذا ثَبَتَ هذا، فالمُسْتَحَبُّ أن يُصَلِّىَ على جَنْبِه الأيْمَنِ، فإنْ صَلَّى على الأيْسَرِ، جازَ؛ فإنَّ (٤) النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُعَيِّنْ جَنْبًا بِعَيْنِه، ولأنَّه يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ على أيِّ الجَنْبَيْنِ كان. وإنْ صَلَّى على ظَهْرِه، مع إمْكَانِ الصَّلَاةِ على جَنْبِه، فَظَاهِرُ كَلامِ أحمدَ أنَّه يَصِحُّ؛ لأنَّه نَوْعُ اسْتِقْبَالٍ، ولهذا يُوَجَّهُ المَيِّتُ عندَ المَوْتِ كذلك. والدَّلِيلُ يَقْتَضِى أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّه خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله: "فَعَلَى جَنْبٍ". ولأنَّ (٥) نَقَلَهُ إلى الاسْتِلْقَاءِ عندَ عَجْزِه عن الصَّلَاةِ على جَنْبِه، يَدُلُّ (٦) على أنَّه لا يَجُوزُ ذلك مع إمْكانِ الصَّلَاةِ على جَنْبِه، ولأنَّه تَرَكَ الاسْتِقْبَالَ مع إمْكَانِه، وإن عَجَزَ عن الصَّلَاةِ على جَنْبِه، صَلَّى مُسْتَلْقِيًا؛ للخَبَرِ، ولأنَّه عَجَزَ عن الصَّلَاةِ على جَنْبِه، فَسَقطَ، كالقِيَامِ والقُعُودِ.

فصل: إذا كان بِعَيْنِه مَرَضٌ. فقال ثِقَاتٌ من العُلماءِ بالطِّبِّ: إن صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أمْكَنَ مُدَاوَاتُك. فقال القاضي: قِيَاسُ المذهبِ جوازُ ذلك. وهو قولُ جَابِرِ بن زيدٍ، والثَّوْرِيِّ، وأبي حنيفةَ. وكَرِهَهُ عُبَيْدُ اللهِ بن عبدِ اللهِ بن عُتْبَةَ، وأبو


(٢) في أ، م: "قصد التوجيه".
(٣) في الأصل: "للمريض".
(٤) في أ، م: "لأن".
(٥) في أ، م: "ولأنه".
(٦) في أ، م: "فيدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>