للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى حَدِيثِ أبِى قَتَادَةَ: "هَلْ مِنْكُمْ أحَدٌ أمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أوْ أشَارَ إلَيْهَا؟ " قالوا: لا، قال: "فَكُلُوهُ" (٢٣). فمَفْهُومُهُ أنَّ إشَارَةَ واحِدٍ منهم تُحَرِّمُهُ عليهم.

فصل: إذا قَتَلَ المُحْرِمُ الصَّيْدَ، ثم أكَلَه، ضَمِنَه لِلْقَتْلِ دُونَ الأكْلِ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال عَطاءٌ، وأبو حنيفةَ: يَضْمَنُه لِلْأَكْلِ أيضا؛ لأنَّه أكَلَ من صَيْدٍ مُحَرَّمٍ عليه، فَيَضْمَنُه (٢٤)، كما لو أكَلَ ممَّا صِيدَ لِأجْلِه. ولَنا، أنَّه صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالجَزاءِ، فلم يُضْمَنْ ثَانِيًا، كما لو أتْلَفَهُ بغيرِ الأكْلِ، وكصَيْدِ الحَرَمِ إذا قَتَلَهُ الْحَلالُ وأكَلَه، وكذلك إن قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ، ثم أكَلَ هذا منه، لم يَجِبْ عليه الجَزَاءُ؛ لما ذَكَرْنَا. ولأنَّ تَحْرِيمَهُ لكَوْنِه مَيْتَةً، والمَيتَةُ لا تُضْمَنُ بِالجَزاءِ. وكذلك إن حُرِّمَ عليه أكْلُه لِلدَّلَالَةِ عليه، أو الإِعَانَةِ (٢٥) عليه، فأكَلَ منه، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّه صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالجَزَاءِ مَرَّةً، فلا يَجِبُ به جَزَاءٌ ثَانٍ، كما لو أتْلَفَهُ. وإن أكَلَ ممَّا صِيدَ لأَجْلِه، ضَمِنَهُ. وهو قولُ مَالِكٍ. وقالَه الشَّافِعِىُّ فى القَدِيمِ. وقال فى الجَدِيدِ: لا جَزَاءَ عليه؛ لأنَّه أكْلٌ لِلصَّيْدِ، فلم يَجِبْ به الجَزاءُ، كما لو قَتَلَهُ ثم أكَلَهُ. ولَنا، أنَّه إتْلَافٌ مَمْنُوعٌ منه لِحُرْمَةِ الإِحْرامِ، فتَعَلَّقَ به الضَّمَانُ، كَالقَتْلِ. أمَّا إذا قَتَلَهُ، ثم أكَلَهُ، لا يُحَرَّمُ لِلإِتْلَافِ، إنما حُرِّمَ لِكَوْنِه مَيْتَةً. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه يَضْمَنُه بمِثْلِه من اللَّحْمِ؛ لأنَّ أصْلَه مَضْمُونٌ بمِثْلِه من النَّعَمِ، فكذلك أبْعاضُه تُضْمَنُ بمِثْلِها، بِخِلَافِ حَيَوانِ الآدَمِىِّ، فإنَّه يُضْمَنُ (٢٦) بِقِيمَتِه، فكذلك أبْعاضُه.

فصل: وإذا ذَبَحَ المُحْرِمُ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً، يَحْرُمُ أَكْلُه على جَمِيعِ النَّاسِ. وهذا قولُ الحسنِ، والقَاسِمِ، وسَالِمٍ، ومَالِكٍ، والأوْزَاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ،


(٢٣) تقدم تخريجه فى صفحة ١٣٢.
(٢٤) فى الأصل، أ: "فضمنه".
(٢٥) في ب، م: "والإعانة".
(٢٦) في الأصل: "يضمنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>