للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطَّابِ، عن القاضى، أنَّه لا يَقَعُ طلاقُه، كما لو حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّماءَ، أو لَيَطِيرَنَّ، فإنَّه لا يَحْنَثُ. والصَّحيحُ أنَّه يَحنَثُ؛ فإنَّ الحالِفَ على فِعْلِ المُمْتَنِعِ كاذِبٌ حانِثٌ، قال اللَّهُ تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}. إلى قوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} (١١٩). ولو حَلَفَ على فِعْلٍ مُتَصَوَّرٍ، فصار مُمْتَنِعًا، حَنِثَ بذلك، فَلأنْ يَحْنَثَ بكونِه مُمْتنعًا حالَ يَمِينِه أولَى.

فصل: وإذا حَلَفَ: لا شَرِبتُ مِن هذا النَّهْرِ. فاغترفَ منه، وشَرِبَ، حَنِثَ. وإن حَلَفَ: لا شَرِبتُ من هذا الإناءِ. فصَبَّ منه فى إناءٍ آخرَ، وشَرِبَ، وكان الإِناءُ كبيرًا لا يُمْكِنُ الشُّربُ به، حَنِثَ أيضًا، وإن كان الشُّرْبُ به مُمْكِنًا، لم يَحْنَثْ؛ لأنَّ الإِناءَ الصَّغيرَ آلةٌ للشُّربِ، فتَنْصَرِفُ يَمينُه إلى الشُّرْبِ به، بخلافِ النَّهْرِ والإِناءِ الكبيرِ، فإنَّه لا تَنْصرِفُ يَمِينُه إِلَّا إلى الشُّرْبِ مِن مائِه. ولو حَلَفَ لا يَشرَبُ مِن بَرَدَى، فشَرِبَ مِن نَهرٍ يَأخذُ منه، لم يَحْنَثْ. وإن حَلَفَ لا يَشربُ مِن ماءِ بَرَدَى، فشَرِبَ مِن نَهْرٍ يَأخذُ منه، حَنِثَ. ذكرَ نحوَ ذلك القاضى؛ لأنَّ بَرَدَى اسمٌ لمكانٍ خاصٍّ، فإذا تجاوزَهُ (١٢٠) إلى مكانٍ سِوَاهُ، فشَرِبَ منه، فما شَرِبَ من بَرَدَى، وإذا كانتْ يَمِينُه على مائِه، فماؤُه ماؤُه حيثُ كانَ، وأينَ نُقِلَ. وكذلك (١٢١) لو حَلَفَ لا يَأكلُ من تَمرِ البَصْرَةِ، فأكلَه فى غيرِها، حَنِثَ. وإن اغترفَ مِن بَرَدَى بإناءٍ، ونقلَه إلى مكانٍ آخرَ، فشَرِبَه، حَنِثَ فى المسْألتينِ جميعًا؛ لأنَّ اغترافَ الماءِ من بَرَدَى. ولو حَلَفَ لا يَشربُ من ماءِ الفُرَاتِ، لم يَحْنَثْ إلَّا بالشُّربِ من ماءِ النَّهْرِ (١٢٢) بالفُرَاتِ. وإن حَلَفَ لا يَشربُ من ماءٍ فُرَاتٍ، حَنِثَ بالشُّربِ من كلِّ ماءٍ عَذْبٍ؛ لأنَّه إذا عَرَّفَه بلامِ التَّعْريفِ انْصَرفَ


(١١٩) سورة النحل ٣٨، ٣٩.
(١٢٠) فى ب، م: "تجاوز".
(١٢١) فى الأصل، ب، م: "ولذلك".
(١٢٢) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>