للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صناعةٍ؛ لأنَّ القَصْدَ حَظُّ الغُلامِ، وحَظُّه فيما ذكَرْناه. وإن كان عند الأبِ، كان عندَه ليلًا ونهارًا، ولا يُمْنَعُ من زِيَارةِ أُمِّه؛ لأنَّ مَنْعَه من ذلك إغْراءٌ بالعُقُوقِ، وقَطِيعةٌ للرَّحِمِ (٤). وإن مَرِضَ، كانت الأُمُّ أحَقَّ بتَمْرِيضِه في بَيْتِها؛ لأنَّه صار بالمَرَضِ كالصغيرِ، في الحاجةِ إلى مَنْ يقومُ بأمْرِه، فكانت الأُمُّ أحَقَّ به كالصَّغيرِ. وإن مَرِضَ أحدُ الأبَوَيْنِ، والولدُ عندَ الآخَرِ، لم يُمْنَعْ من عِيادَتِه، وحُضُورِه عندَ مَوْتِه، سواءٌ كان ذكَرًا أو أُنْثَى؛ لأنَّ المَرَضَ يَمْنَعُ المَرِيضَ من المَشْىِ إلى ولَدِه (٥)، فمَشْىُ ولَدِه إليه أَوْلَى. فأمَّا في حالِ الصِّحَّةِ، فإنَّ الغلامَ يَزُورُ أُمَّه؛ لأنَّها عَوْرَةٌ، فسَتْرُها أَوْلَى، والأمُّ تَزُورُ ابْنَتَهَا؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ منهما عورةٌ، تحْتاجُ إلى صِيانةٍ وسَتْرٍ، وسَتْرُ الجاريةِ أوْلَى؛ لأنَّ الأُمَّ قد تخَرَّجَتْ وعَقَلَتْ، بخلافِ الجارِيَةِ.

فصل: وإذا أراد أحدُ الأبَوَيْنِ السَّفَرَ لحاجةٍ ثم يَعُودُ، والآخرُ مُقِيمٌ، فالمُقيمُ أوْلَى بالحضانةِ؛ لأنَّ في المُسافَرَةِ بالوَلَدِ إضْرارًا به، وإن كان مُنْتَقِلًا إلى بلدٍ ليُقِيمَ به، وكان الطَّرِيقُ مَخُوفًا [أو البلدُ] (٦) الذي ينْتَقلُ إليه مَخُوفًا، فالمقيمُ [أحَقُّ بِهِ] (٧)؛ لأنَّ في السَّفَرِ به خَطَرًا به، ولو اخْتارَ الولَدُ السَّفَرَ في هذه الحالِ، لم يُجَبْ إليه؛ لأنَّ فيه تَغْرِيرًا به. وإن كان البلَدُ [الذي ينْتقلُ إليه] (٨) آمِنًا، وطَرِيقُه آمِنٌ، فالأبُ أحَقُّ به، سَواءٌ كان هو المُقيمَ أو المُنْتَقِلَ، إلَّا أن يكونَ بين البَلَدَيْنِ قريبٌ، بحيثُ يَرَاهُم الأبُ كلَّ يومٍ، ويَرَوْنَه، فتكونَ الأُمُّ على حَضَانَتِها. وقال القاضي: إذا كان السَّفرُ دُونَ مَسافةِ القَصْرِ، فهو في حُكْمِ الإِقامةِ. وهو قولُ بعضِ (٩) أصْحابِ الشافعىِّ؛ لأنَّ ذلك في حُكْمِ الإِقامةِ في غيرِ هذا الحُكْمِ، فكذلك في هذا، لأنَّ (١٠) مُراعاةَ الأبِ له مُمْكِنةٌ. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ


(٤) في أ، ب، م: "الرحم".
(٥) في ب، م: "والده" خطأ.
(٦) في ب: "والبلد".
(٧) في م: "أولى بالحضانة".
(٨) سقط من: الأصل.
(٩) سقط من: ب، م.
(١٠) في أ، ب: "ولأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>