للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال لرجلٍ: يا مُخَنَّثُ. أو لامرأةٍ: يا قَحْبَةُ. وفسَّرَه بما ليس بقَذْفٍ، مثلِ أنْ يُرِيدَ بالمُخَنَّثِ أنَّ فيه طباعَ التَّأْنيثِ والتَّشَبُّهَ بالنساءِ، وبالقَحْبَةِ أنَّها تسْتعدُّ لذلك، فلا حَدَّ عليه. وكذلك إذا قال: يا فاجرةُ، يا خَبِيثةُ. وحكَى أبو الخَطَّابِ في هذا، روايةً أُخْرَى، أنَّه قَذفٌ صريحٌ، ويجبُ به الحَدُّ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ. قال أحمدُ، في روايةِ حَنْبَلٍ: لا أرَى الحَدَّ إلَّا على مَنْ صَرَّحَ بالقَذْفِ والشَّتِيمَةِ (٣). وقال ابنُ المُنْذِرِ: الحَدُّ على من نَصَبَ الحَدَّ نَصْبًا. ولأنَّه قولٌ يَحْتَمِلُ (٤) غيرَ الزِّنَى، فلم يكُنْ صريحًا في القَذْفِ، كقولِه: يا فاسِقُ. وإن فسَّرَ شيئًا من ذلك بالزِّنَى، فلا شَكَّ في كَوْنِه قَذْفًا.

فصل: واخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، في التَّعْرِيضِ بالقَذْفِ، مثل أنْ يقولَ لمن يُخاصِمُه: ما أنتَ بِزَانٍ، ما يَعْرِفُكَ النَّاسُ بالزِّنَى، يا حَلالُ ابنَ الحلالِ. أو يقولَ: ما أنا بزَانٍ، ولا أُمِّى بزَانِيَةٍ. فرَوَى عنه حَنْبَلٌ: لا حَدَّ عليه. وهو ظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، واختيارُ أبى بكرٍ. وبه قال عَطاءٌ، وعمرو بنُ دينارٍ، وقَتادَةُ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لِمَا رُوِىَ أنَّ رجلًا قال للنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن امْرأتِى وَلَدَتْ غُلامًا أسْودَ. يُعرِّضُ بِنَفْيِهِ (٥)، فلم يَلْزَمْه بذلك حَدٌّ ولا غيرُه. وقد فرَّقَ اللَّه تعالى بينَ التَّعْريضِ بالخِطْبَةِ والتَّصْرِيحِ بها، فأباحَ التَّعْرِيضَ في العِدَّة، وحرَّمَ التَّصْرِيحَ، فكذلك في القَذْفِ، ولأنَّ كُلَّ كلامٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ لم يكُنْ قَذْفًا، كقولِه: يا فاسِقُ. ورَوَى الأثْرَمُ وغيرُه عن أحمدَ، أنَّ عليه الحَدَّ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه. وبه قال إسْحاقُ (٦)؛ لأنَّ عمرَ حينَ شاوَرَهم في الذي قال لصاحبه: ما أبى (٧) بزَانٍ، ولا أُمِّى بزَانِيَةٍ. فقالوا: قد مدَحَ أباه وأُمَّه. فقال عمرُ: قد عَرَّضَ بصاحبِه. فجلدَه


(٣) في الأصل: "والتسمية".
(٤) سقط من: م.
(٥) تقدم تخريجه، في: ٨/ ٣٧٢.
(٦) في الأصل زيادة: "قال إسحاق".
(٧) في ب، م: "أنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>