للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدفعَه إلى الغَرِيمِ، حَنِثَ. وقال القاضى: لا يَحْنَثُ. وقياسُ المذهبِ أنَّه يَحْنَثُ؛ لأنَّه أوصلَه إليه مُخْتارًا، فأشْبَهَ ما لو دفعَه إلى وكيلِه، فأعْطاه إيَّاه، ولأنَّ الأيمانَ على الأسْبابِ، لا على الأسْماءِ، على ما ذَكَرْناه فيما مَضَى.

فصل: فإن قال: إن رأيتِ أباكِ، فأنتِ طالقٌ. فرأتْهُ ميِّتًا، أو نائمًا، أو مُغْمًى عليه، أو رأَتْه من خَلْفِ زُجاجٍ، أو جِسْمٍ شَفَّافٍ، طَلُقَتْ؛ لأنَّها رأَتْه، وإن رأتْ خَيالَه فى ماءٍ، أو مِرْآةٍ، أو صُورتَه على حائطٍ، أو غيرِه، لم تَطْلُقْ؛ لأنَّها لم تَرَه، وإن أُكرِهَتْ على رُؤْيتِه، خُرِّجَ على الوَجْهينِ.

١٢٧٥ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا قَالَ لمَدْخُولٍ (١) بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ. لَزِمَهُ تطْلِيْقَتَانِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ إِفْهَامَهَا أَنْ وقَعتْ بِهَا الأُولَى، فَتَلْزَمهُ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخولٍ بِهَا، بَانَتْ بِالأُولَى، وَلَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّه إذا قالَ لامرأتِه المدْخُولِ بها: أنتِ طالقٌ. مرَّتَيْنِ. وَنوَى بالثَّانيةِ إيقاعَ طَلْقةٍ ثانيةٍ، وقعتْ بها طَلْقتانِ بلا خلافٍ، وإن نَوَى بها إفْهامَها أنَّ الأُولَى قد وقَعتْ بها، أو التَّأكيدَ (٢)، لم تَطْلُقْ إلَّا واحدةً. وإن لم تَكُنْ له نِيَّةٌ، وقعَ طَلْقتانِ. وبه قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ. وهو الصَّحيحُ مِن قولَى الشَّافعىِّ، وقال فى الآخَرِ: تَطْلُقُ واحدةً؛ لأنَّ التكرارَ يَكُونُ للتّأكيدِ والإِفْهامِ، ويَحْتَمِلُ الإيقاعَ، فلا تُوقَعُ طَلْقةٌ بالشَّكِّ. ولَنا، أنَّ هذا اللّفظَ للإِيقاعِ، ويَقْتَضِى الوُقوعَ، بدليلِ ما لو لم يَتَقَدَّمْه مثلُه، وإنَّما يَنْصرفُ عن ذلك بنيَّةِ التَّأْكيدِ والإِفْهامِ، فإذا لم يُوجَدْ ذلك وقعَ مُقْتضاه، كما يجب العملُ بالعُمومِ


(١) فى م: "المدخول".
(٢) فى ب: "والتأكيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>