للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْزَمْه حَدٌّ (٣٢)، كما لو قالتْ: صَدَقْتَ. ولو قال: يا زانيةُ. قالتْ: أنَتْ أزْنَى مِنِّى. فقال أبو بكر: هي كالتى قبلَها في سُقوطِ الحَدِّ عنه. ويَلْزَمُها له ههُنا حَدُّ القَذْفِ، بخلافِ التي قبلَها؛ لأنَّها أضافَتْ إليه الزِّنَى، وفي التي قبلَها أضافَتْه إلى نفسِها.

١٥٧٠ - مسألة؛ قال: (وَمَن قَذَفَ رَجُلًا، فلم يُقَمِ الْحَدُّ حَتَّى زَنَى الْمَقْذُوفُ، لم يَزُلِ (١) الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ)

وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، والمُزَنِىُّ، وداودُ. وقال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ: لا حَدَّ عليه؛ لأنَّ الشُّروطَ تُعْتَبَرُ اسْتدامتُها إلى حالةِ إقامةِ الحَدِّ؛ بدليلِ أنَّه لو ارتدَّ أو جُنَّ، لم يُقَمِ الحَدُّ، ولأنَّ وُجودَ الزِّنَى منه يُقَوِّى قولَ القاذِفِ، ويدُلُّ على تقدُّمِ هذا الفعلِ منه، فأشْبَهَ الشهادةَ إذا طَرَأَ الفِسْقُ بعدَ أدائِها قبلَ الحُكْمِ بها. ولَنا، أنَّ الحَدَّ قد وجبَ وتَمَّ بشُروطِه، فلا يسْقُطُ بزَوالِ شَرْطِ الوُجُوبِ، كما لو زَنَى بأَمَةٍ ثم اشْتراها، أو سَرَقَ عَيْنًا، فنَقَصَتْ قيمتُها أو مَلَكَها، وكما لو جُنَّ المَقْذوفُ بعدَ المُطالَبةِ. وقولُهم: إنَّ الشروطَ تُعْتَبَرُ اسْتدامتُها. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ (٢) الشُّروطَ للوُجُوبِ، فيُعْتَبَرُ وُجُودُها (٣) إلى حينِ الوُجوبِ، وقد وَجَبَ الحَدُّ؛ بدليلِ أنَّه مَلَكَ المُطالبةَ، ويبْطُلُ بالأصُولِ التي قِسْنَا عليها. وأَمَّا إذا جُنَّ مَنْ وَجَبَ له الحَدُّ، فلا يسْقُطُ الحَدُّ، وإنَّما يتأخَّرُ اسْتيفاؤُه؛ لتعذُّرِ المُطالَبَةِ به، فأشْبَهَ ما لو غابَ مَنْ له الحَدُّ. وإن ارْتَدَّ مَن له الحَدُّ لم يَمْلِكِ المُطالبةَ؛ لأنَّ حُقوقَه وأملاكَه تزولُ أو تكونُ مَوْقوفةً. وفارقَ الشهادةَ، فإنَّ العدالةَ شرطٌ للحُكْمِ بها، فيُعْتَبَرُ وجودُها إلى حينِ الحُكْمِ بها، بخلافِ مَسْألتِنا، فإنَّ العِفَّةَ شَرْطٌ للوُجوبِ، فلا تُعْتَبَرُ إلَّا إلى حينِ الوُجوبِ.


(٣٢) سقط من: الأصل.
(١) في ب: "يلزم".
(٢) في ب، م: "فإن".
(٣) في ب، م: "وجوبها".

<<  <  ج: ص:  >  >>